ليست لدي أدنى مشكلة مع من يقرؤونني كي يبحثوا لي عن التصنيف المناسب، ولا أخفي استمتاعي بمراوغتهم أحيانا، وأبتهج بقراءة الخيبة على ملامحهم المكفهرّة «لا أعرف ماذا تعني الكلمة بالضبط، لكن أشعر أنها مناسبة لهم»، لكن مشكلتي مع أولئك الذين يحسنون بي الظن، ويعتقدون أن الكاتب الصحفي هو صوتهم المسموع عند المسؤول، ولا أدري كيف أقنعهم أن «طبقة صوتي» لا تُطرب، وأجد العذر للمسؤول الذي يتحاشى أن يبدأ يومه بسماع صوتٍ -إضافة إلى نشازه- فإنه لا يجيد العزف على أي آلة موسيقية، بل حتى «الطبل»، وكنت أعتقد أن فشلي في أن كون كاتبا «فنانا» يكفي بألا يعلقوا آمالا على بسيطٍ مثلي أن يوصّل صوتهم، والمشكلة الأكبر عندما يطلبون منك أن توصل صوتهم الذي أوصلوه إلى عميد الكلية ومدير الجامعة، ولم يُلتفت إليه! كما حدث لطلاب كلية الطب في عنيزة، الذين يلخصون مشكلتهم، أو ما يصفونها بمعاناتهم أن كليتهم -من بين كل كليات المملكة- تشترط اجتياز الطالب اختبار الرخصة الأميركية لمزاولة الطب، ويكون هذا الاختبار شرطا من متطلبات التخرج «تجتاز الاختبار أو تغادر الكلية في السنة النهائية!».

الاختبار يكلفهم ماديا نحو خمسة آلاف ريال، وتم ذلك بالفعل واجتازه 5 طلاب من 45 طالبا وطالبة، «هل الرقم مُرضٍ للكلية للاطمئنان على مخرجاتها؟»، ولأنني بعيد جدا عن الأنظمة الأكاديمية، فقد خدعت اثنين من الأصدقاء الأساتذة في كليات طب غير كلية عنيزة، و«جرجرتهم» لمعرفة قانونية هذا الإجراء، فقال أولهم: «رغم فائدة هذا الاختبار علميا ومهنيا، إلا أنه لا يجوز نظاما فرضه على الطلبة، ولم يسبق أن فُرض على جامعة أُخرى، إلا في حالة واحدة، أن يكون اعتُمد من مجلس القسم ومجلس الكلية، واعتُمد من مجلس الجامعة، وأُقر من وزير التعليم، إذا وصل إلى هذه المرحلة يأخذ صفة قانونية»، الطلبة بدورهم ينفون أن يكون القرار مرّ بهذه المراحل، لأن خطابهم الطويل إلى مدير الجامعة جاء الرد عليه بصيغة «نجتمع ونشوف»، ولم يُقل لهم هذا النظام أُقر. والغريب أن الكليات الأخرى في الجامعة لم يفُرض على طلابها هذا الاختبار!

الأكاديمي الآخر اتفق أيضا على عدم نظامية هذا الإجراء لكنه برره -ساخرا- بقوله: «الكلية وضعت الشرط كي تسهّل الأمور على الطلبة عندما يذهبون إلى الابتعاث!».

هذه القصة تبين أنه لا يوجد فرق كبير بين البيروقراطية والترهل الإداري وبين المسؤول النشط أكثر مما ينبغي!، فالوصول إلى معايير عالمية يتطلب أن تعمل أولا لتصل إلى ما وصلوا إليه، فالجامعات العالمية لم تصل إلى هذه الأنظمة إلا بعد عقود من العمل المضني والشاق، فأحيانا محاولة إحراق المراحل هو عمل أقل ما يُقال عنه: إنه عبثي ومتهور.

يبقى سؤال الطلبة معلقا، وهم فقط يطالبون بأن يُعاملوا كزملائهم في جامعات الطب الأخرى، وبالطبع يأملون ويعتقدون أن هذا المقال سيوصّل صوتهم إلى معالي وزير التعليم!.