كان سكان القرى والمدن الصغيرة يفرحون بزيارة المدن الكبيرة، ويحلمون بالحياة فيها، رغم أن مدننا الكبيرة في حقيقتها هي مجرد قرى كبيرة.

لا يوجد في المدينة الكبيرة شيء لافت ومختلف عن القرية سوى الأسواق الكبيرة. ما زلت أتذكر كيف يفرح الأطفال بزيارتنا في العاصمة الرياض. كانوا يشعروننا بأننا من كوكب آخر، رغم أن حياتهم الاجتماعية وحياتنا في المدن لا تكاد تختلف. كان الترفيه في المدينة والقرية ينحصر في الزيارات العائلية وزيارات الأصدقاء. لم يكن للمكان أهمية في عرفنا الاجتماعي، نشأنا هكذا واضطر الناس إلى خلق حلول طالما أن المكان غائب، وهذا يفسر كثيرا من المشاهد التي أصبحت تمر علينا وكأنها مشاهد طبيعية، مثل أن تجد مجموعة من الناس يجلسون على جنبات الشوارع الرئيسية، أو تحت كوبري سيارات، أو على أرصفة معدة للمشاة، أو في مسطحات خضراء داخل دوارات الطرق الكبيرة. مثل هذه المشاهد يستحيل أن تجدها في بلدان تهتم بترفيه مواطنيها. وهي أيضا تعطينا انطباعا بأن هذا الشعب ليس طماعا، وأنه يرضى بأقل القليل.

رغم أننا عاصرنا طفرتين اقتصاديتين، إلا أننا ما زلنا فقيري ترفيه. الشيء الوحيد الذي تغير هو أن سكان المدن أصبحوا هم الذين يحلمون بالعودة إلى القرية، والابتعاد عن زحمة المرور الكئيبة، والمشاوير الطويلة، وضياع الوقت بين الطرقات. خصوصا أن الترفيه في القرية والمدينة ما زال هو نفسه، يعتمد على الناس، ويغيب فيه المكان.