كنت أسير مع عمر في الحديقة عندما رأيتها تجلس على مقعدها وحيدة وأطفالها يلعبون. ارتجفت عندما أدارت رأسها نحونا، ويبدو أنها انتبهت لأن ملامحها الهادئة تغيرت إلى حزن. علمت فيما بعد أنها تتعرض للتعنيف من زوجها، ويبدو أنه يتعمد ضربها على وجهها، وأنها تتعمد أن تظهر الأثر، وتخرج به كأنما تريد إخبار الجميع بأن الرجل الذي يرونه في العمل محترما، ماهو إلا مريض يملأ وجه زوجته في مكان غريب بالبقع والألم.

كنساء نعلم أن حقيقة وجود العنف ضد المرأة يتم إنكارها من مجموعة كبيرة من الرجال الأسوياء، بل نجدهم أكثر من ينفي ذلك بجمل كالملكات، بل بعضهم يقضي وقتاً يبحث عن إحصائيات تثبت انتشار العنف ضد المرأة في الغرب، ليوصل رسالة إلى السيدات بعنوان «احمدي ربك» وضعك أفضل.

في الواقع ذلك يدفع إلى زيادة العنف ضد المرأة خاصة اللفظي، والذي يأخذ عدة أشكال، ربما أهمها معايرتها بمظهرها وسنها، بل حتى بكونها امرأة، وهذا قد لا يؤثر على امرأة كبيرة، لكنه يؤثر على الشابات الصغيرات واعتزازهن بأنوثتهن.

إن شريحة المعتدين بالألفاظ بدأت تضم حتى المثقفين والفنانين والوعاظ، الذين أصبحوا يجعلون من النساء مادة لسخريتهم ولجلب الضحك والوناسة لجلساتهم، حتى وصلوا إلى مسائل تخص الأنثى كالمكياج.

وبالمناسبة وجدت رداً طريفاً من فتاة على ذلك تقول فيه «نعم المكياج يجعلني جميلة، لكن كل ما تفعله لا يجعلك جميلا».

في المغرب العربي حاولت إحدى القنوات مساعدة المعنفات فيها، فاقترحت مكياجا يخفي الكدمات التي تظهر على الوجه جراء التعنيف، ولاقى الأمر ردة فعل قوية ساخرة من الفتيات.

فالفتاة المعنفة في نظرهن ليست مجرما يستحي من أثر جريمته، بل هو ضحية يجب أن يواجه صمت المجتمع بأثر عشرات السنين من خلق المعنفين، واعتبار ما يفعلونه بالمرأة تأديبا. فإذا كانوا يخجلون مما يرونه على وجوه النساء فليمنعوا حدوثه وليس بالسعي لتغطيته.

لقد كان رداً قوياً مثل رد هؤلاء المعنفات الرافضات لتخبئة الاعتداء، وقيام الفتيات به مؤشر جيد على تغير الفتيات ونضج عقولهن، حتى وجدن طريقة لمواجهة هذا العنف برده للمعنف.

وهو مؤشر جيد أيضاً على قرب وصول المجتمعات العربية إلى خط بداية سباق التقدم، الذي تحمله المرأة على عاتقها في كل زمان ومكان، والتي تخرج من بين يديها الحكمة والفلسفة والرجولة والذكاء والأنوثة والقدرة على التغيير.