في تركيا ركبت عائلة سورية كردية قاربا صغيرا في محاولة منها للوصول إلى اليونان، وبعد دقائق معدودة انقلب القارب وغرقت ريحانا كردي مع طفليها غالب وآيلان، وكانت تيما كردي عمة آيلان كردي وهي مقيمة في فانكوفر، قد حاولت جلبه هو وعائلته إلى كندا، لكن قرارات هاربر المتعلقة باللاجئين حالت دون ذلك، وفجأة أصبحت السياسة التي يقصد بها حماية الكنديين من الإرهاب الإسلامي سياسة أساءت إلى شعور الكنديين بهويتهم، فقد كانوا مجتمعا منفتحا رحيما، ودفع هاربر ثمنا باهظا لما حدث.
يقول المراقبون إن فرض أي قيود على الهجرة يشير ضمنا إلى المفاضلة بين خطأين، الخطأ من النوع الأول هو السماح بدخول إرهابيين محتملين، والخطأ من النوع الثاني هو منع أجانب أبرياء من الدخول، حيث إن صياغة سياسة مناسبة يتطلب الموازنة بين تلك المخاطر مع الأخذ في الاعتبار احتمالاتها النسبية، ومقدار الاهتمام بإنقاذ حياة المقيمين، وتمزق الحياة الأسرية للمهاجرين المحتملين. كم حياة أسرية تنوى أن تمزقها أو تعرضها للخطر من أجل تجنب هجوم إرهابي؟
يقول كاهنيمان وتفرسكي بأن عند حساب الاحتمالات يرتكب الناس أخطاء بشكل منهجي، ويفعلون ذلك من خلال البحث في ذاكرتهم عن أمثلة، فإذا تذكروا هجمات باريس ونيس فسيبالغون في تقدير الإرهاب المحتمل، وإذا شاهدوا صورة آيلان كردي ربما يفكرون بعكس ذلك.
واستغلال أهمية الذاكرة يؤثر على إدراك مخاطر اتخاذ القرار، وربما يكون هذا السبب هو الذي جعل ترمب وفريقه يبالغون في تقدير مخاطر الهجمات الإرهابية باختلاقهم هجمات وهمية مثل «مذبحة باولنج جرين»، وأكثر من ذلك اختلاقهم مؤخرا حدثا لا وجود له في السويد «حدث في الليلة الماضية في السويد».
وربما يجادل ترمب بأن أي خطر يتعرض له أي أميركي غير مقبول، بغض النظر عن عدد الأطفال الذين يموتون مثل آيلان كردي، وتمزق الحياة الأسرية لكثير من الناس، لكن في هذه الحالة كيف له أن يطلب من الجنود الأميركيين أن يعرضوا حياتهم للخطر في الموصل أو قندهار؟ هل طلب مثل هذه التضحية مبررا –على الأقل جزئيا- بسبب الحرص على سلامة الآخرين؟ هل فعلا عدم الاهتمام بما يحدث للآخرين هو تقليد أميركي؟
الرؤية الثانية وهي من بحث نفسي قام بتلخيصه بروس هود في كتابه الأخير «الخداع النفسي» تتعلق بالدور الذي يقوم به الوعي بصناعة القرار، ويظهر بحث معملي حديث أن أفكار الوعي الخاصة بنا تختلق حججا منطقية لكثير من القرارات التي يميل العقل إلى اتخاذها بدون وعي.
هل فعلا تم اتخاذ قرار حظر السفر بدافع حماية الأميركان، أم هناك دوافع أخرى؟ ضع في اعتبارك أنه قد تم تطبيق حظر السفر على سبع دول، فلماذا ينظر إلى الموطن الأصلي على أنه أداة استشعار للإرهابيين المحتملين؟
هل يعد مريض سوري بالسرطان أو أكاديمي إيراني متميز أكثر خطورة بسبب موطنهما الأصلي؟
النقطة الأساسية هي أن حظر السفر على المسلمين وبناء جدار على الحدود المكسيكية ربما يكون أقل ارتباطا بتبريراتهم التي صرحوا بها وأكثر ارتباطا باعتبارات أخرى قد يكون بعضها تشكل باللاوعي، وبرغم كل شيء لم تضع هذه السياسة وزارة الأمن الداخلي، لكن وضعها كبير الإستراتيجيين لدى ترمب وهو المحارب الثقافي ستيفن بانون.
وربما يؤيد الشعب مثل هذه الإجراءات، لأنهم قلقون من أن الأشخاص الذين لا يشبهوننا سيسمح لهم بأن يكونوا جزءا منا، وبالتالي لن يكون هناك «نحن» بعد الآن. لكن هل سيكون هناك «نحن» إذا تخلينا عن انفتاحنا ورحمتنا؟
ريكاردو هوشمان - وزير التخطيط الفنزويلي السابق
نقلا عن موقع بروجيكت سندكيت