يجمع الكثير من المتزوجين على أن من أهم أسباب المشكلات الزوجية الروتين والملل من الأدوار المكررة. هذا الشعور العارم بالملل هو ما يجعل كلا الطرفين يغفل بشكل شبه كلي عن التضحيات والمجهودات التي يبذلها الطرف الآخر، فيتعامل معها بالتالي وكأنها مسلمات مفروغ منها ولا تستحق أي شكر أو تقدير. وفي الوقت نفسه فإن هذا الشخص نفسه سيبدأ في التركيز بشكل كبير على تضحياته هو في سبيل استمرار هذا الزواج وبقاء هذه العائلة، فيشعر بشيء من الغبن وبأنه مقيد ومجهوداته غير مقدرة ومن هنا تبدأ الكثير من المشكلات. فإذا ما حصل ظرف ما أدى إلى ابتعاد دائم أو مؤقت لأحد الزوجين عن بعضهما، أو لأحد الوالدين عن الأبناء، تاركاً وراءه ذلك الفراغ ليس العاطفي وحسب وإنما تلك الأعمال والواجبات اليومية التي يقوم بها، فإن الطرف الآخر سيستشعر حجم الفقد ويدرك فجأة قيمة الآخر في حياته، فيحس بالأسف لعدم إدراكه ذلك سابقاً، ويتعاظم هذا الإحساس بالندم إذا جاء بعد فوات الأوان.
في الغالب فإن من تشتكي من عدم التقدير لدورها ومجهوداتها في العالم كله هي المرأة. باعتبار أن تضحيات المرأة في سبيل الأسرة - غالباً وليس دائماً- هي الأكثر بحكم دورها في الحمل والإنجاب وإدارة شؤون المنزل. وتزداد هذه الشكاوى في المجتمعات التقليدية التي مازالت تعطي أدواراً محددة لكل جنس، والتي قد تعد فيها مساهمة ذكور العائلة أزواجاً أو أبناء في الاعتناء بأنفسهم أو بالمنزل منقصة للرجولة!
ولهذا السبب فقد ظهر برنامج غربي (شاهدتُ حلقاتٍ من نسختيه البريطانية والأمريكية) يصنف في فئة برامج الواقع اسمه (تبادل الزوجات) أو (Wife Swap). وقبل أن يبتعد خيالكم وتبدؤون في الحوقلة والاستغفار من فظاعة المنكر الذي أعرضه هنا، دعوني أشرح لكم المقصود من هذا البرنامج الذي يبث في وضح النهار ويسمح بمشاهدته للصغار والكبار. المقصود ليس تبادل الزوجات في غرف النوم، وإنما تبادل دور الزوجة في إدارة شؤون الأسرة مع زوجة أخرى لمدة أسبوع، بحيث تحاول كل واحدة منهما أن تدخل بعض التغييرات التي تراها هي ضرورية على نظام الأسرة البديلة بعد أن تراقبهم وتعيش حياتهم الطبيعية لبعض الوقت، وفي النهاية تجتمع الأسرتان، وتعطي كل امرأة ملاحظاتها ونتائج تجربتها للأخرى على أمل أن تستفيد منها. ولأننا نتحدث عن تلفزيون الواقع وعن الإثارة فإن البرنامج يحرص على أن يحصل تبادل الزوجات هذا بين أكثر العائلات اختلافاً عن بعضها في المستوى التعليمي والثقافي والمهني والاجتماعي والذي ينعكس على أسلوب الحياة والتربية، وبالتالي فمن الطبيعي أن يحصل هناك نوع من الصدام الذي قد لا ينتهي بنهاية الحلقة. ومع أنني أرى أن فكرة البرنامج بالأصل مجنونة، إلا أنني أستطيع أن أرى أيضاً بعض الفوائد التي نتجت عنه للأسرتين المشاركتين في الكثير من الحلقات، خاصة بالنسبة لتقدير دور الأم والزوجة أو الأب والزوج.
فالعائلة التي كانت تلقي بكافة مسؤوليات المنزل والأولاد على كاهل الأم، دون أن يشارك الأطفال أو الأب حتى في رفع أطباقهم عن طاولة الطعام، أو وضع الملابس المتسخة في مكان الغسيل بدلاً من رميها في كافة أرجاء المنزل والحديقة، أو المساعدة في ترتيب أسرتهم بعد الاستيقاظ من النوم، قد أدركوا صعوبة القيام بذلك لشخص واحد حين فرضته عليهم الزوجة البديلة فما بالكم حين تقوم به أمهم لأربعة أو خمسة أشخاص؟!
وبالمقابل فإن الزوجة التي تعيش مع رجل يقوم بدور فعّال في بيته فيذاكر الدروس مع أولاده بعد عودته من العمل، ويقوم بمساعدتها في الأمور الأخرى كما يشاركها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالبيت والأولاد، قد أدركت كم هي محظوظة لأن زوجها هو شريك حقيقي في الحياة الزوجية حينما انتقلت إلى بيت آخر وجدت فيه أن الزوج ما هو إلا طفل كبير يعود من العمل ليبدأ مشاهدة التلفاز أو اللعب بالبلاي ستيشن في حين يطلب أن يأتيه الطعام إلى مكانه، لا يشارك لا بمجهود ولا برأي، بل ويتكاسل حتى المشاركة باللعب مع طفله الذي سيعترف للمرة الأولى بأنه يشعر بالوحدة الشديدة وبفقدان الأب رغم أنه يعيش معه في نفس المنزل. هذه أمثلة بسيطة لعلها تفي بالغرض لشرح ما قصدته من الفوائد.
بالطبع ليس مطلوباً أن نقوم باستنساخ هذا البرنامج الذي ربما لا يكون مناسباً للحال والمقام في البيئة العربية، وإنما هي فرصة لإعادة النظر في حال أسرنا خاصة مع ارتفاع معدلات الطلاق التي من أسبابها التعنت وافتقار كلا الطرفين للمرونة وعدم تقبلهما للنقد وعدم استعداد الجيل الجديد لتحمل المسؤولية نتيجة للدلال المفرط وللتعود على وجود الخادمة، التي بالمناسبة يمكن تخيلها تؤدي أعباء الأم كما في المثال السابق وبالتالي يكون ذلك مدعاة لتقديرها أكثر.
فلا توجد أسرة لا تعاني من سلبيات أو نواقص، لأنها في النهاية هي محصلة الأفراد الذين تتكون منهم وهؤلاء ليسوا بكاملين ولن يكونوا. والأسرة الناجحة بمقاييس هذا الزمان، وليس بمقاييس الجدات والآباء، هي التي يتعاون كافة أفرادها في القيام على شؤونها خاصة مع ازدياد تكاليف الحياة وواجباتها، ومع ارتفاع المستوى التعليمي للطرفين وخروجهما للعمل. مع التأكيد بأن الطلاق السريع أو الهجر أو الزواج الثاني ليست على الأغلب حلولاً ناحجة للبيوت الحزينة وإنما الحوار والرغبة الصادقة في الإصلاح والتغيير.