في الأسبوع الماضي، كتبت عن يوم المرأة العالمي مقالة قدمت فيها اعتذارا إلى المرأة عن بعض ما يحدث وما يتم تغييبه من حقوقها على مستوى العالم، وبينما كنت أكتب، تخيلت المساحة الحقيقية التي نتحدث عنها عادة فيما يخص المرأة وحقوقها، وهل نحن بالفعل ما نقول أم أن الأمر لا يعدو كونه تعاطفا في مناسبة عابرة في حياتنا ووجداننا؟

وفكرت في تنفيذ تجربة شخصية لاختبار مدى ارتفاع معدلات الوعي والإيمان بما نرفعه من مقولات عن المرأة وحقوقها وواجباتها، وما نردده من شعارات من قبيل المرأة نصف المجتمع، وإسهابنا في الحديث عن دور المرأة وشراكتها الاجتماعية والأخلاقية، وقوتها المؤثرة في تشكيل الخطاب والحراك الاجتماعي خارج الإطار الذي وضعت فيه على مر التاريخ.

في الثامن من مارس، قمت بحلق ما تبقى من شاربي -إن جاز لي إطلاق هذا الوصف عليه- وقرنت الأمر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تضامنا وتعاطفا معها ومع قضاياها، من منطلق أنها عضو أساسي في الحياة بعمومها، ومحاولة لكسر فكرة تكريس فصلها عن حقيقة الشراكة الكاملة، التي يؤمن بها كثير من الأفراد في مختلف المجتمعات الإنسانية، كونها فكرة عبثية جدا عند كثير من الرجال في المجتمعات العربية على وجه الخصوص، أكثر من كونها فكرة جديرة بالاحترام والطرح أصلا!.

وانبرى لي من خلال وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي على خلفية ذلك، مختلف المدافعين من أنحاء الوطن العربي عن الرجولة والشرف والكرامة، وبرز إلى الواجهة كعادة المجتمعات العروبية، قادة وخبراء التشنج والسباب والشتائم الخارجة عن الأدب، جاء أكثرها تشكيكا في الرجولة، واتهاما بسقوط في الأخلاق، وما إلى ذلك من القائمة الطويلة التي يحفظها العربي عن ظهر قلب، ولا أظنه يحسن الحديث بغيرها إذا ما تعلق الأمر بالمرأة في كثير من الأحيان.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل بالتأكيد على أن الجاهلية المقيتة ما زالت تضغط على المجتمعات العربية في أحد أشكالها، المتمثلة في رؤية المرأة من نافذة العيب والحرام والنقيصة والتحرج.

وهو ما يعني أن طريق المرأة العربية ما زال طويلا جدا، فهذه النظرة الدونية، تعني أننا ما زلنا نكذب على أنفسنا، وأن شعاراتنا مزورة، وتسقط عند أول وأصغر اختباراتنا لها، أو في حال وضعها على المحك كتعامل اجتماعي صغير مثلا.

بعضهم كتب «أنا لا أنتقد حلق شنبه ونشر صورته، ولكنني أعتب على احتفاله بيوم المرأة العالمي، فهو يوم بدعة وليس مما أمر به الله، أو جاء به الرسول!».

وسؤالي لهذه النوعية من الانطباعات والتعليقات: إذا كنتم تحرمون ذلك وهو أمر فيه نظر كثير، فلماذا تحتفلون بحفلات الميلاد أو نجاح أطفالكم في الاختبارات المدرسية مثلا؟!

بعضهم تحسس من ربط حلق الشارب ونشر الصورة بموعد يوم المرأة العالمي، وكأنه يتنكر لمناداته بأحقية المرأة في أمور كثيرة، ومناداته بشعار المرأة نصف المجتمع، كانتكاسة اعتدنا عليها من ذهنية وثقافة الرجل العربي المتناقضة، خاصة وهو يؤطر بكل عجرفة ما يصلح وما لا يصلح للمرأة!.

كلنا يعلم تقريبا ما يحصل عليه الشارب من تقدير واحترام على مستوى العالم، في كثير من المجتمعات العالمية، حتى أنه يحظى بتقدير أعلى من تقدير المرأة ذاتها أحيانا، وهو ما انتشر في أنحاء من أوروبا والمنطقة العربية، في أوقات مظلمة في التاريخ الإنساني بكل أسف، ومن أراد معرفة القصص فما عليه سوى البحث في تاريخ الحكايات الأوروبية، ومرويات التاريخ العربي، إذ يعتبر عند البعض إرثا عائليا، وعند البعض يعني الشارب الكبير دلالة على الفحولة والرجولة والصدق والأمانة ورفعة الشأن.

كل ذلك يعكسه شارب مكون من عدد من الشعرات على الوجه، بينما من نَصِفهن بـ»نصف المجتمع«لا يعكسن سوى العيب وما هو مخجل!.

لقد كان وضع الشارب معيارا للحكم بإطلاق تلك الشتائم مأساويا ومحزنا، ويكشف لنا عن كثب، المسافةَ التي قطعناها باتجاه ما نؤمن به وما نقوله ونمارسه.

وظهر تعالي وغطرسة الذكورية التي تحط من الفعل الذي لا يعجبها أو يتوافق مع ما تؤمن به، وربطه بتصرف الأنوثة، الذي تم النظر إليه وتقييمه من زاوية العيب وقلة الشأن، وهذه النظرة في الواقع هي السائدة في الثقافة العربية لكل ما هو نسائي أو متعلق بالمرأة، والتي انعكست فعليا وتربويا على بناء شخصية الفرد العربي من المحيط إلى الخليج.

فالمجتمعات العربية لم تنجح في بعض مجالات الحياة المرتبطة باليوميات، لأنها تعيش حالة تناقض هائلة، بين ما تقوله وبين ما تؤمن به، وتطغى الازدواجية بوضوح على أفرادها، فهم يتحدثون عن قناعاتهم بالشيء ويفعلون غيره، وهو ما يفسر سرعة تحول»مواقفهم» على الدوام في القضايا التي تتعلق بالمرأة على سبيل المثال. هذا إذا جاز لنا تسميتها مواقف أصلا.