حياة الأشخاص ومعالم زمنهم، سواء في مذكراتهم ويومياتهم، تعتبر توثيقا ومدخلا لمعرفة جوانب من تأريخ تلك المرحلة التي عايشوها، استقراء وملاحظة ومشاهدة وصنعا للحدث، والتاريخ هو رواية للأحداث الماضية، يقول «فؤاد طحطح» في كتابه «السيرة لعبة الكتابة» «الدخول في الحياة الخاصة لا يهدف إلى كشف الأسرار الحميمة، ولكن لتقريب الشخصيات من الفكر، لقد ذكر بييرريفاد أن ماركس كان فقيرا، وأن صديقه أنجليز كان يأتيه بالفطور، وكانط كان يأكل مرة واحدة في اليوم، وباسكال كان نباتيا مثل فيثاغورس، وهكذا... لا شئ بقي خفيا من حياتهم اليومية» وقد حاول «نادي الرياض الأدبي» عام 2000 إضاءة ما يمكن إضاءته من مصادر الثقافة الذاتية والبيئات الثقافية الخاصة والعامة، في مسيرة بعض مفكري ومثقفي بلادنا، لمعرفة تاريخ المملكة الثقافي قبل نصف قرن، من خلال شهادات من عاش سنوات ذلك التكوين، دارت الأسئلة والتي تجاوزت «الستين» سؤالا حول محاور معينة «مراحل التعليم النظامي وغير النظامي، المحيط الأسري، المحيط الثقافي العام، البناء الثقافي الذاتي، الرحلات الخارجية، المشاركات في الصحافة والندوات، والقراءات في المؤلفات الأجنبية». بعث النادي هذه المحاور إلى المثقفين المعروفين ورواد التعليم والصحافة، فلم يتجاوب مع الفكرة إلا «عشرة» من الرموز هم: حمد الجاسر، عثمان الصالح، فهد العريفي، عبدالله بن إدريس، محمد هاشم رشيد، علي العبادي، عزت خطاب، أحمد البدلي، منصور الحازمي، عبدالعزيز التويجري،. أعجبتني قصة الأديب عبدالله بن إدريس مع عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد، يقول ابن ادريس: «زرت العقاد في بيته وأهديته نسخة من كتابي» شعراء نجد المعاصرون «وعندما رأى العنوان قال: نجد كانت معروفة بالشعر منذ القديم«، فقلت:»نحن ننتظر منك أن تلقي الضوء على الشعر والأدب في الجزيرة العربية«، فقال:»الشعر عندكم إلى ما قبل عشرين سنة كان ضعيفا، وكان كلامه في عام 1960، ولكن ربما كتابك هذا يغير وجهة نظري «وبعد أربعة أيام من هذا الكلام، اتصل بي» محمد سعيد كمال «صاحب مكتبة المعارف بالطائف وقال:»رأيت نسخة من كتابك التي أهديتها للعقاد يجلدها عند «مصطفى سليمان» في حي عابدين، ومعروف عن العقاد أنه لا يجلد إلا الكتاب الذي يعنى به ويريد أن يقرأه، وبعد أسبوع زرت العقاد فقال: «الحقيقة أن الكتاب غير وجهة نظري عن الشعر في السعودية تماما، فقد وجدت فيه شعرا عظيما وشعراء عظماء، وعملك فيه أعظم»، ثم قال: «ولكن فيه حاجة ما ناسبتني»، قلت: ما هي؟ قال: «هذا الشعر السخيف، الشعر الزفت، هذا الذي تسمونه الشعر الحر، وأنتم في نجد منبع الشعر الأصيل وموطن العربية الفصحى، قلنا يبقي الله لنا نجدا تحفظ لنا لغتنا وتراثنا وشعرنا، وإذا بشعرائكم يقلدون الشعراء العرب الذين قلدوا الشعر الغربي، هذا والله شيء مؤسف».