يبدأ المشهد في مصر القديمة، حيث يتلو كهنتها الصلوات فتشتعل النيران في جوف القدور الذهبية المنتصبة في قلب المعبد المقدس وتنفتح الأبواب الضخمة على مصراعيها دون أن يمسها أحد، فيهلل الناس وتكتسي وجوههم تلك الدهشة العمياء في حين يصرخ الكهنة: هذا صنيع الآلهة! غير أن خلف هذه المعجزة معجزة أخرى لم تبلغها عقول الناس حينذاك، إذ كان الكهنة يسخّرون علوم الفيزياء والكيمياء لإيهام الناس بأنها معجزة إلهية وبركة سماوية حلت عليهم، ومن هنا يكتسب السحر معناه: «كل أمر يخفى سببه ويُتخيّل على غير حقيقته».
ومن هنا تتجلى قوة «العلم» وخطورته، وفي هذا السياق يقول آرثر كلارك: «لا يمكن التفريق بين التكنولوجيا المتقدمة والسحر بدرجة واضحة»، ولنا أن نتخيل مشهد الطائرة التي هبطت على قبيلة بدائية تقطن منطقة معزولة فظنتها مركبة سماوية!
إن من يفوقك علما فهو بالضرورة يمتلك مفاتيح فتنتك والتأثير عليك بسحره!
وهنا أسوق ما قاله الإمام الغزالي بهذا الصدد: «إن الإنسان يستغرب ما لم يعهده، حتى لو حدثه أحد أنه لو حك خشبة بخشبة لخرج منها شيء أحمر بمقدار عدسة يأكل هذه البلدة وأهلها ولم يكن رأى النار قط لاستغرب ذلك وأنكره!».
الإنسان أسير نظرته الضيقة، يرى الكون وما حوله من ظواهر بالمنظار الذي وضع له، ويستنكر ما يقبع خارج إطاره هذا المنظور، قد يصنع إنسانا ماديا كافرا بالمعجزات أو إنسانا سطحيا لا يعمل عقله ويفسر الأمور جُزافا، إن الإنسان -هذا الكائن الفضولي- مدفوعا بشغفه القديم وأداته الحديثة «العلم» يسابق الزمن لإماطة اللثام عن ألغاز هذا الكون، غير أن العلم بكل أدواته يظل يعمل في إطار الكون المنظور محدود الأبعاد عاجزا -حتى الآن- عن بلوغ حدوده.
إن على الإنسان مسؤولية عظمى في الموازنة بين منهجه العلمي وبين إيمانه العميق بالله، إذ يضمن هذا التوازن تناغما داخليا عظيما ولذة لا تضاهى، ناهيك عن ضرورة تمتعه بعقلية المحقق الباحث في كل الاحتمالات وما وراءها وبتواضع العالِم الذي يعلم حق اليقين محدودية علمه.
يقول تعالى: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون).
وكما أن الإنسان إذا اتخذ المادية منهجا يرى في المعجزات إهانة لماديته، فهناك من يفسرها بغير سياقها وينسبها لغير أهلها، وبين هذا وذاك في هذا الكون وما وراءه تتجلى العظمة الإلهية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.