يكاد عمل الملحقية الثقافية التابعة لسفارة دولتها بالخارج ينحصر في قضايا الطلاب المبتعثين وختم بعض الأوراق الخاصة بالتعليم، ما يشكل انحرافاً عن مسمّاها من جهة، وعن الفعل الثقافي الحقيقي من جهة أخرى. ومن الظلم للملحقية الثقافية أن يتحجم دورها ويصغر وتبتعد عن المساهمة مع المجتمع الذي تمثل بلدها فيه، فتتواصل معه لتقدم صورة الوطن كما يجب أن تكون.
ولعلّ الراحل الدكتور غازي القصيبي استشعر أهمية تلك المعادلة فكانت الملحقية الثقافية السعودية في لندن أيامه صاخبة لا تهدأ ولا يقف عملها الثقافي عند مجلة "الثقافية" التي تصدرها، ولا ينتهي عند المحاضرات والندوات والأمسيات التي تنظمها، دون أن تغفل وسط ذلك الجانب الأكاديمي فتهتم بالطلبة المبتعثين وتتابع شؤونهم.
ولا يبتعد كثيرا عن ذلك النهج الملحقُ الثقافي السعودي سابقا في دمشق الشاعر خالد الخنين الذي استمر هناك قرابة 16 عاماً كان خلالها صديقاً للمثقفين والمبدعين السوريين، وبرغم أنني لم ألتقِ به من قبل، إلا أن نشاطاته ومساهماته على الصعيد الاجتماعي في الندوات والمناسبات الرسمية والأدبية جعلت من الملحقية الثقافية مركزا ثقافياً يتحدث الناس عن فعالياته وجهوده..
وأتذكر أنّ الخنين كان محورا للحديث في جلسة جمعتني أواخر التسعينات مع الأديب الراحل الدكتور عبدالسلام العجيلي الذي يحترمه ويقدره، ومن المؤكد أن ذلك لم يأتِ إلا لكون الملحق الثقافي خالد الخنين لم يعزل نفسه عن الناس، بل كان يعيش بينهم ومع نخب المجتمع الفكرية والثقافية.
ما دعاني للحديث عن هذا الأمر هو أن إحدى الفضائيات أرادت استضافة كاتب من دولة عربية يعمل في ملحقية بلده الثقافية في إحدى الدول لحوار سريع يتحدث فيه عن بلده ومجتمعه بإيجابية، فاستشار الزميل رئيسَه الذي هو الملحق الثقافي، غير أن هذا الأخير لم يقبلْ لأن المسألة برأيه خطيرة جداً والعمل في جهة تابعة للسفارة برأيه مسؤولية كبيرة تفرض عليه عدم التحدث في أي شيء ما لم تصدر إليه الأوامر والتعليمات بذلك، فتحولت الملحقية الثقافية طبقا لهذا المفهوم إلى ثكنة عسكرية بدل أن تكون منارة معرفية.
ربما هنا لا نضع اللوم على الملحق الثقافي بقدر ما نلوم القيود البيروقراطية التي قيّدته وجعلته يلتزم بالمهام المكتوبة بحذافيرها ويزيد عليها أيضا. ونظل نأمل أن تصبح تلك الملحقيات مكاناً لإنتاج الثقافة بمعناها الشمولي.