البترول المستقبلي أو ما يعرف بالاحتياطي (بشقيه النفطي الخام والغازي) هو القلب النابض للشركات النفطية، وأحد أهم الموارد التي تضمن استمرارية شركات النفط من عدمها. تتفاوت نسبة الاحتياطي البترولي في هذه الشركات حسب حجمها وعمق عملياتها، لكنها بشكل عام لا تقل عن 75% من نشاطات التنقيب والإنتاج.

يلزم العديد من الأسواق المالية وخصوصاً الأمريكية الشركات النفطية بالإفصاح عن احتياطيها البترولي «المؤكد»، أي النفط الخام والغاز الطبيعي القابل للاستخراج (بنسبة تأكيد تتجاوز الـ 90%) في حين أنها لا تلزمها بنشر أرقام الاحتياطي «غير المؤكدة»، أو بالإفصاح عن الموارد البترولية (Contingent Resources) التي يتعذر إنتاجها لصعوبات تقنية أو هندسية أو بسبب الجدوى اقتصادية.

يتصور الكثيرون أن جميع الشركات النفطية تقوم بالإفصاح عن أرقام احتياطيها ومواردها، لكن الواقع غير ذلك.

القاعدة الذهبية المتبعة في الكثير من الشركات النفطية العملاقة هي «لا تكشف كل أوراقك!»، حيث تتعمد هذه الشركات استخدام معاملات تناقص متحفظة جداً في حساباتها الهندسية (وبما يتماشى مع القوانين ولا يخالف النظام الضريبي) لتحقيق هدفين رئيسيين: تقليص أرقام الاحتياطي المؤكد وإدراج الفائض فيما يعرف في قائمة الاحتياطي غير المؤكد أو الموارد البترولية،وكلاهما يصنفان كأسرار مهنة (Tradesecrets).

خلافاً للمنطق الذي يقضي بأن من مصلحة الشركات الإعلان عن مجمل احتياطياتها البترولية بما فيها غير المؤكدة، مما يسهم في رفع قيمتها السوقية، يتعمد الكثير من هذه الشركات التكتم على احتياطيها غير المؤكد والموارد النفطية الأخرى لأسباب كثيرة، أهمها التخوف من تأثير المساهمين على صناعة القرار وسطوة القوانين المحلية. فعندما تعلن شركة عملاقة عن مجمل احتياطيها فإن المساهمين سيطالبونها بتقليص إنفاقها على نشاطات الاستكشاف والتنقيب بحجة وجود ما يكفي في الوقت الراهن، وتقليص حجم إنفاقها على الأبحاث والتطوير أحد أهم دعائم الاستدامة للشركات العملاقة والهدف هو زيادة أرباح الأسهم. زيادة التنافسية وتحفيز الإنتاجية هو سبب آخر لعدم الإفصاح في التقارير السنوية. فعندما تعلن الشركات أن لديها من الاحتياطيات النفطية ما يكفيها مثلاً لـ25 سنة فهي تقتل حافز الإنتاجية وتزيد من الاتكالية على الموارد أكثر من العنصر البشري كما هو حاصل في العديد من الشركات النفطية الحكومية في دول العالم الثالث.

أثبتت هذه القاعدة «الذهبية» فاعليتها في العامين الماضيين، فعلى الرغم من تقليص ميزانيات الشركات النفطية خصوصا فيما يتعلق بعمليات الاستكشاف والتنقيب، حافظ كثير من الشركات العملاقة على معدلات تعويض احتياطي متماسكة نسبياً باستثناء شركة اكسون موبيل لأسباب تتعلق بتحقيقات اللجنة الأميركية للبورصة والأوراق المالية في احتساب الاحتياطي النفطي. فعقب ضغوط من المساهمين للإفصاح ونتيجة لتحقيقات مكتب الادعاء العام في نيويورك والتي طالت أيضا المدقق المالي شركة PWC التي صادقت على التقارير المالية، قامت اكسون موبيل بتقليص احتياطيها الإجمالي بنسبة 14%.

الشركات العملاقة ليست من السذاجة كي تكشف كل أوراقها للعلن. فحينما يتباهى بعض الكتاب بالمخزون النفطي الضخم لشركة أرامكو السعودية والمقارنة مع الشركات النفطية الأخرى فهم يجهلون أن هذه الشركات تحرص على عدم كشف كامل أوراقها. كما يجهلون أو يتناسون أن هذا المورد النابض أي «المخزون النفطي» هو نعمة وليس نتاجا لعمل دؤوب.

بالنسبة للشركات من المتوسطة إلى الصغيرة، فهي على النقيض، تحاول رفع نسبة احتياطيها المؤكد بشتى الطرق بهدف رفع قيمتها السوقية وترويج عملياتها. فهي دائماً ما تقوم بإبراز استكشافاتها النفطية بالأرقام والتفاصيل في الصحافة العالمية بهدف تسويق إنجازاتها وجلب المستثمرين في حين أن الشركة العملاقة نادراً ما تقوم بذلك. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة أيني الإيطالية اكتشافها لحقل ظُهْر في المياه الإقليمية المصرية، ووصفته بأضخم احتياطي غازي في البحر المتوسط في أغسطس 2015. بعد سنتين من الاستكشاف وقبل بدء تطوير الحقل قامت الشركة ببيع 10% من امتيازها لشركة بي بي البريطانية العملاقة مقابل 375 مليون دولار.

إذا تأملنا في أرقام الاحتياطي النفطي الرسمية للمملكة فهي على الرغم من ضخامتها إلا أني أجدها تميل إجمالاً إلى التحفظ، حالها حال الشركات العملاقة. فعلى الرغم من الإنتاج المرتفع الذي يفترض أن يؤدي إلى تقلص الاحتياطي، إلا أن عدة عوامل أسهمت في ثبات احتياطي المملكة عبر الزمن كالاستكشافات النفطية واستخدام تقنيات وتطبيقات متطورة في عمليات التنقيب والإنتاج. ومع هذا أجد نفسي مرغماً في الاعتراف بخطئي في إغفال أهم العوامل التي أسهمت في ثبات الاحتياطي وجاهزيته، ألا وهو الكفاءات البشرية خصوصا الوطنية في أرامكو والتي أسهمت بإخلاص وفاعلية في إدارة المكامن النفطية والحفاظ عليها.