يبدو أن أعضاء إدارة ترمب أكثر محافظة في توجههم الخاص بالتعامل مع الأزمة في سورية على عكس الرئيس ذاته الذي يوصف بأنه صاحب منهج عدائي صريح يمهد لتدخل شامل، وهو ما بدأت ملامحه تظهر خلال الأيام الماضية عبر زيادة عدد الجنود الأمريكان المتمركزين في الداخل السوري إلى 900 لمساعدة الجماعات المسلحة المدعومة منها، من أجل السيطرة على مدينة الرقة عاصمة دولة داعش المزعومة.

مكمن الرأي المحافظ في إدارة ترمب هو أن روسيا التي تتحكم بالواقع السوري ما زالت هي العدو التاريخي لأميركا، والذي يجب أن يتم التعامل معها بذات التوجه الحذر والاستخباراتي الذي حكم العلاقات بين البلدين من أيام الاتحاد السوفيتي، بينما يرى ترمب ومن يدعمه داخل إدارته أن روسيا، ليست إلا صاحبة مصالح في تلك التوجهات السياسية، وأن المسألة ما هي إلا خصومة يمكن إدارتها من خلال الاتفاق على توزيع المهام وحصول كل طرف على الغنائم التي يسعى لها.

العلاقة بين الدولتين فيما يتعلق بالموقف السوري يمكن النظر لها من خلال عدد من المسائل، منها أن التركيز على محاربة داعش واعتبار ذلك الأولوية للدولتين يأتي على خلفية تنحية الموقف الدولي السابق المطالب بإسقاط الأسد كرئيس لسورية، في وقت يقول البعض إن الروس أصبحوا أكثر مرونه باعتبار أنهم ليسوا بالضرورة متمسكين بالأسد كشخص، بقدر تمسكهم بنظام حكمه كخيار إستراتيجي لهم، وهو موقف أصبح ينظر له أميركيا وأوروبيا بمرونة أكثر مما كان عليه الموقف سابقا.

بقاء سورية كدولة موحدة اليوم وبحدودها التي تشكلت بعد استقلالها، لم يعد ينظر له في أروقة القرار في أميركا على أنه أمر ممكن، فالتعقيدات السياسية والإثنية والدينية لم تعد قابلة لأن تستوعب في حدود ونظام واحد يحكمها، وآفة التشتت العرقي الذي انتقل لها عبر حدودها من العراق، أصبح هو الواقع الذي أصبحت جميع الأطراف تنظر له وتعمل من أجل إيجاد حل، يمكن له أن يخرج المنطقة من أزمتها الطاحنة.

أما ما يثار من أهمية فرض مناطق آمنة في سورية من أجل حماية المدنيين والأقليات من بطش النظام السوري وأعوانه الروس والإيرانيين، فإن ذلك من الناحية الفعلية قد يدخل المنطقة في مواجهة بين القوى العظمى، فالمناطق الآمنة تتطلب حظر طيران فوق أجوائها، وفرض مثل هذا الحظر من طرف الأميركان سيضعها في مواجهة عسكرية مع أي خرق محتمل من قبل الطيران الروسي، وهو أمر من المؤكد أنه سيدفع باندلاع حرب يمكن وصفها بالعالمية كما يقول بعض المراقبين.