الزيارات الحالية لخادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ورعاه ـ لها دلالاتها البالغة، ومعانيها العميقة، ومما يستحق التوقف عنده، الزيارة الملكية الكريمة لجمهورية إندونيسيا، وأخص بالذكر استقبال خادم الحرمين الشريفين، ومصافحته الكريمة لحوالي ثلاثين ممثلا لستة أديان ومعتقدات وثقافات، يعيش أهلها هناك بسلام ووئام، والستة هي؛ الإسلام، والبروتستانتية، والكاثوليكية، والهندوسية، والبوذية، والكونفوشيوسية..

التعايش الإندونيسي الديني الذي سرّ به خادم الحرمين الشريفين، وراءه سر يعود إلى استقلال إندونيسيا قبل 72 سنة سابقة، ويعود إلى الميثاق الإندونيسي الشهير المعلن آنذاك، والمعروف بـ«بانتشا سيلا»ـ بانتش: خمسة، سيلا: مبادئ ـ والمكون من 5 أركان هي: الربانية المنفردة، والإنسانية العادلة، والوحدة، والشعبية أي الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية..

هناك في إندونيسيا، ووسط علماء الأديان المختلفة؛ عبر خادم الحرمين الشريفين، عن سعادته بلقائهم، لافتا انتباه الجميع إلى أن روح (التسامح) و(التعايش) بين أبناء الشعب الإندونيسي ـ أكثر من 250 مليون نسمة ـ بجميع فئاته؛ أورثتهم استقرارا في السياسة، ونهضة في الاقتصاد، وسعادة عامة، وأكد ـ سدده الله تعالى ـ على أهمية العمل على (التواصل) و(الحوار) بين أتباع الأديان والثقافات، لتعزيز مبادئ التسامح، لافتا النظر ـ وفقه الله تعالى ـ إلى أن (الأديان) تسعى لحماية حقوق الإنسان وسعادته، وأن محاربة الغلو والتطرف في جميع الأديان والثقافات أمر مهم..

لا أدري كيف يغيب عن بال غير المنادين بتعايش البشر قول الحق سبحانه: ?وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ?، وما ذكره الشيخ ابن القيم في كتابه الشهير (زاد المعاد في هدي خير العباد) «ذكر الإمام أحمد، عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّكَ الرَّبُّ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، اللهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمُ إخْوَةٌ..»..

حتما من آتاه الله تعالى بعض الوعي، سيقول إن هذه النصوص دالة على أن الإخاء الإنساني بين العباد مفتوحة أبوابه إلى الأبد، بغض النظر عن مللهم أو نحلهم، ومن يعترض على ذلك، هو بالضرورة معترض على قول الله العظيم ?هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ?، ومن السوء أن نظن أن الله تعالى خلق المسلم ليقتل من خلقه خالقه من الكفار، أو العكس، وعلى هذا وذاك الاحتكام إلى القاعدة النبوية الشهيرة «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ».