أكد نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق السديري، أن ترسيخ الأمن الفكري مسؤولية جماعية مشتركة يتحملها الأفراد والمؤسسات والدول، وبمقدار تكامل الجهود وتكاتفها تحمى العقول والأفكار، وتصان الحقوق وتحترم، ويسود الأمن والاستقرار.
وأوضح السديري خلال محاضرة ألقاها بعنوان «آثار تحقيق الأمن الفكري» بعد صلاة مغرب أول من أمس، في جامع الإمام تركي بن عبدالله وسط مدينة الرياض، بحضور المفتي العام للمملكة، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، أن استقامة الدنيا وسعادتها لا تحصل إلا إذا كان الإنسان آمنا على نفسه، مرتاح القلب، هادئ النفس، لا يخاف من وقوع مكروه يهدد أمنه، أو ينتقص دينه، أو ينتهك حرماته، أو يستلب خيراته، أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه، وثقافته من أفكار، ومذاهب، وأخلاق.
وقال «كان الأمن وما يزال وسيبقى واحدا من أهم المتطلبات الأساسية للحياة البشرية، وقد لا يبالغ من قال: إن الأمن هو المفترض الرئيس لكل نشاط من أنشطة الحياة الإنسانية».
الانحرافات الفكرية
أكد السديري أن تحقيق الإيمان يحصل بأن تحقق الأمة ما خلق الله الخلق من أجله، وهو توحيده ــ جل وعلا-، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، وفق مراده سبحانه وتعالى باتباع منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان. وشدد على أن الفكر في القرون المفضلة كان واحدا ذا منهج واحد، وهو اتباع سبيل المؤمنين الذي هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم، مشيرا إلى أن الفكر اليوم ذو شعب شتى، واتجاهات متفرقة، فقد ظهرت فرق وجماعات حزبية تبث الشبهات المؤدية للانحراف عن المنهج الصحيح والصراط المستقيم، وشهدت الساحة العالمية والإسلامية والعربية انحرافات عقدية أدت إلى انحرافات فكرية خطيرة جدا تهدد سلامة العقيدة، وصفاء المنهج، ونقاء الفكر.
وبين السديري أن الانحرافات العقدية والفكرية تنذر بفساد الأرض، وشيوع قتل الأنفس المعصومة، والعدوان على الممتلكات المحترمة، بل وقع بسبب هذه الانحرافات عدد من الاعتداءات والجرائم التي استهدفت أمن الناس في دينهم، وأرواحهم، وعقولهم، وأعراضهم، وأموالهم. وأهاب السديري بكل مسلم أن يكون يقظ القلب، عالي الهمة، دائم البحث والنظر، موظفا قدراته، باذلا نفسه وطاقته، مسخرا قلمه وفكره، للحفاظ على دينه، وعقيدته سالما من كل انحراف، وأن يحافظ على أمنه وأمانه واستقراره من غائلة الأحداث، ومكر الأعداء.
تأثير اختلال الأمن
وقال إن أولى ما صرفت إليه الجهود، وعنيت به العقول، واشتغل به أولو العلم والقلم هو موضوع الأمن، فهو ضرورة لتوفير بيئة مناسبة للعيش والبناء، حيث يستطيع الأفراد ممارسة حياتهم، وحفظ حقوقهم، وأداء واجباتهم، وتحقيق أهدافهم وطموحاتهم، وتتمكن الدولة من الارتقاء بمختلف المجالات، وعلى كل الصعد داخليا وخارجيا، وبمقدار اختلال عنصر الأمن يأتي النقص، وتنتشر البدع والمحدثات، وتكثر في المجتمع الآفات الأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، وغيرها.
وأضاف أن أمن العقول لا يقل أهمية عن أمن النفوس والأموال، فلصوص العقول أعظم خطرا، وأشد فتكا من لصوص البيوت والأموال، وأن تحقيق الأمان للناس من الانحرافات الفكرية،- وهـــو ما اصطلح عليه اليوم بالأمن الفكري- من أهم ما عُنيت به الشريعة، لأنه يعنى بسلامة عقول وأفكار أفراد المجتمع التي تعد أهم مرتكزات الأمن بجميع أنواعه، مشددا على أن الشريعة وجهت العقول والأفكار لصيانة الضرورات الخمس الكبرى، وهي (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال)، وحرمت الاعتداء على شيء منها، لأنها خطوط حمراء لا ينبغي التعدي عليها.
آثار الأمن الفكري
تطرق السديري لآثار تحقيق الأمن الفكري على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة، فأبان أن آثار تحقيقه على الفرد، تبرز في تحقيق العبودية لله عز وجل، وتحقيق الوسطية لدى الفرد، وسلامة فكره من الانحراف والاضطراب، وتحقيق الاطمئنان القلبي والنفسي للفرد، وحمايته من الغرور والتعالم، ومشاركته مع المجتمع إيجابيا، وتخلصه من التبعية لغير الكتاب والسنة، وتحقيق الاحترام الأسري والتقدير الاجتماعي.
أما آثار فقدان الأمن الفكري على الفرد فهي: ضلال دينه، وانحراف العقل والفهم، وسلوك مسلك أهل الغلو، والوعيد الشديد من الله تعالى له، والشذوذ عن جماعة المسلمين، وتعريض الفرد نفسه لموتة الجاهلية، وبراءة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ منه، والشعور بالخوف والقلق، ورق التبعية، والشعور بالوحدة وفقد الاحترام، وإهدار طاقة الفرد وقدراته، وتعريضه نفسه لإهدار دمه، وتحمله إثم من سار على فكره ونهجه.