كنت وما زلت أقول إن كتب التاريخ في مناهجنا أخطر على أبنائنا من كل كتب الدين المتطرفة.
كتب التاريخ صيغت بطريقة ذكية جدا، لأنها لا ترسل رسائل مباشرة، وإنما تتلاعب بعقول الأطفال بدهاء وعلى مدى سنوات. كلٌ حسب عمره إلى أن يتخرج الطالب من المرحلة الثانوية. الطالب لا يدرس أبرز الأحداث التاريخية في العصر الحديث! الحربان العالميتان الأولى والثانية ليس لهما وجود! حتى الأحداث المهمة لدولتنا كمشاركة السعودية في حرب إسرائيل، وكذلك أزمة الخليج، كلها أحداث مهمشة.
ندرس في التاريخ كيف قامت الدول الإسلامية المتعاقبة بأسلوب سلس جميل، يصور للطفل أن كل هذه الدول كان هدفها الأول هو إعلاء كلمة الله، ونشر الإسلام. لا ندرس عن الأهداف السياسية، وأطماع النفوذ والسلطة. لا ندرس التاريخ الدموي لكل دولة عند تأسيسها. لا ندرس كيف نكلت كل دولة بمن سبقتها. ندرس فقط الإيجابيات، وتمر على الطالب المرحلة الانتقالية الدموية بين دولة ودولة بكل سلاسة. «انتهت الدولة الفلانية بتاريخ كذا، وكان آخر حكامها فلانا، ثم قامت الدولة الفلانية على أنقاضها، وأسسها فلان».
سلاسة جميلة جداً، وكأنها انتقال الشعلة الأولمبية من بلد إلى بلد!. ثم يبدأ السرد التاريخي للفضائل فقط، لا يتحدث التاريخ عن جرائم الولاة حتى مع أقرب الناس إليهم، لا يتحدث التاريخ عن جرائمهم ضد مخالفيهم، لا يتحدث التاريخ عن اقتتالهم على الحكم. يدرس أبناؤنا الأمجاد فقط، اقرأ عن الأندلس في تاريخنا! يخيل إليك أنها دولة حالمة خيالية، كل شيء فيها هو إنجازات وعلوم وهندسة ونوافير. يخرج الطالب من هذا التاريخ وهو يحلم بإقامة دولة الأمة من جديد، يريد أن تعود تلك الأمجاد. يقارن حالة البؤس التي نعيشها اليوم بالعصر الذهبي لأمة الإسلام، ويتخيل أن كل تلك الدول هي عصر ذهبي. ولذلك يسهل استدراج «بعضهم» لأي جماعة تعلن إقامة دولة الإسلام، وتأخذ الجزية من الكفار وتتوسع في غزواتها.