أكدت صحيفة «فايننشال تايمز» أن فرنسا غارقة في أزمة سياسية واجتماعية عميقة، وذلك باعتراف جميع النخب السياسية والشخصيات المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة، ابتداء من أقصى اليسار إلى الوسط وانتهاء بأقصى اليمين. وأشار التقرير الذي أعده الكاتب توني باربر، إلى أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة تعتبر الأهم منذ قيام الجمهورية الفرنسية الحديثة على يد الرئيس الأسبق شارل ديجول عام 1958، والتي تتشابه أحداثها مع ما تعيشه البلاد حاليا من أحداث مشحونة بالتوتر والقلق. واستشهد كاتب التقرير بتصريحات رئيس الوزراء الأسبق، آلان جوبيه، بأن فرنسا «مريضة» وتحاول مقاومة أي محاولة للإصلاح لانتشالها من الوضع الصعب الذي تعيشه، لافتا إلى أن مشاعر الغضب تسود وسط كثير من الفرنسيين تجاه النخب السياسية برمتها، بسبب أنها تمر بأزمة ثقة لا مثيل لها.


تحركات شعبية

تطرقت الصحيفة إلى أن النظام الفرنسي يعاني من معضلتين رئيسيتين، هما زيادة الإنفاق الكبير على برامج الرعاية الاجتماعية، مما أثقل كاهل الاقتصاد الوطني، إضافة إلى الفساد المستشري بين أوساط النخب السياسية والاجتماعية، بمن فيهم آلان جوبيه الذي حكم عليه بالسجن لمدة 14 شهرا مع وقف التنفيذ عام 2004 بتهمة التمويل غير القانوني لحزبه. وأوضح التقرير أن جوبيه حاول عام 1995 حينما كان رئيسا للوزراء، إصلاح نظام الرعاية الصحية، إلا أنه فوجئ بموجة من الإضرابات الشعبية لا مثيل لها، منذ أحداث عام 1968 الشهيرة، وبالتالي كانت تلك آخر محاولة لحكومة فرنسية نحو الإصلاح الاقتصادي الجدي، بما فيها محاولات حكومة الرئيس الحالي، فرنسوا هولاند، لتنفيذ بعض الإصلاحات قبل أن يواجه احتجاجات شعبية غاضبة.


تفشي الفساد

أوضح التقرير أن الفساد المالي للسياسيين الفرنسيين شمل معظم النخب تقريبا، لافتا إلى أن أسوأ حادثة فساد خلال رئاسة هولاند الحالية هي الحادثة المتعلقة بوزير الخزانة السابق، جيرومي كاهوزاك، المسؤول عن مكافحة التهرب من الضرائب، حيث أخفى مبلغ 600 ألف يورو داخل حسابات سرية تابعة له في سويسرا وسنغافورة. وأوضح التقرير أن ما يثبت انهيار النخب الفرنسية السياسية هو عدم احتمال تحقيق الحزبين الكبيرين في البلاد للمرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لافتا إلى أن هذه النتيجة ستدمر فرصهما في الانتخابات البرلمانية أيضا المزمع عقدها في يونيو المقبل. وخلص التقرير إلى أنه على الرغم من تقدم الوسطي المستقل، إيمانويل ماكرون، على زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في نتائج الاستطلاع، إلا أنه لا يوجد شي مؤكد في فرنسا حاليا، داعيا الجميع إلى تخيل وضع فرنسا المستقبلي مع صعود مرشحين مستقلين إلى سدة الرئاسة، الأمر الذي ينذر بولادة حكم جديد.