ستشعر بالفخر أحياناً ما إن تقلب أوراق الصحف اليومية، وتقرأ أخباراً عن قيام منتديات للمعلمين والمعلمات، يأتي الهدف منها تطوير المعلم وإعداده بشكل سليم، لتحقيق الأهداف التي تسهم في إعداد المعلم وتدريبه وتأهيله لمواكبة المرحلة والمستجدات العصرية، إلى جانب إعداد معلمي التخصصات المختلفة، نحو التنسيق والتكامل ومتطلبات خطط التنمية القادمة.
مثل هذه الأخبار تسعد الجميع، إذ إنك ستتلمس كيف بدأت وزارة التعليم تصب جزءا من اهتمامها في تطوير المعلم من الجنسين، ولا يمكن قياس التطوير فقط في الكتب والمراجع وسواها، فالعنصر الرئيسي في التعليم هم المعلمون، فالبداية الصحيحة التي تغفل عنها الوزارة للأسف، هو باعتقادها أن أي معلم حاصل على شهادة البكالوريوس، لا يمكن أن يحظى بدورات متعددة لإعادة الثقة به، وتوعيته بالنماذج الجديدة والحديثة لأسس التعليم، وإنما يجب أن يكون المعلمون بين غمضة عين وضحاها خبراء من تلقاء أنفسهم، لكن الحقيقة غير ذلك، حيث يتطلب الأمر حسًا مهنيًا عميقًا، والذي لا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق الممارسة والخبرة المتراكمة الواسعة.
المعلمون جميعاً في المدارس والأكاديميات والجامعات، صغيرهم وكبيرهم بحاجة إلى دورات أكاديمية لا يمكن أن تتوقف لأي سبب، وذلك من أجل تنمية مهاراتهم أمام طلابهم وطالباتهم، وتحديد مدى معرفتهم بالإعداد التربوي الحديث، وتطوير أساليبهم ومهاراتهم الشخصية التي يمكن أن يستفاد منها من خلال الحصص الدراسية.
ولكن المشكلة التي بدأت أشعر بالغضب منها، ليست الندوات أو المحاضرات التي تقام والتي يتم اختيار المتدربين من المعلمين من الجنسين بحسب حاجتهم الماسة، وإنما يتم اختيارهم لمن يكون أقرب نسباً وصهراً إلى المدير، وأقرب المعلمات اللاتي يتملكن المهارة في سرعة النقل والبث عما يدور في غرف المعلمات للسيدة المديرة، التعليم من دون نقاش بات أسوأ، والسبب ليس لأن الكتب لا تتواكب مع العصر المتقدم إلكترونياً، وليس لأن الطالب بدأ يضغط على أسرته لكي تنقله إلى مدرسة خاصة، كي يحظى بحرية أكبر من المدرسة الحكومية التي يتقابل في الصف الواحد ما يزيد على 40 طالباً، وليس لأن المعلم الحكومي نظراً لضغط ساعات العمل، يجد نفسه في نهاية الحصة الدراسية وقد تبخرت كل المعلومات والمراجعات، وبات على وشك الانفجار، فالخطأ الأول الذي بدأت أتلمسه من خلال علاقتي بالعديد من المعلمين والمعلمات، أن الإدارة لا تكون بصفهم وعبر حجج واهية وسخيفة في كثير من الأحيان.
الوضع التعليمي الآن يشهد عصراً من الدكتاتورية التي لم تنته، والضحية هم المعلمون والمعلمات والطلاب والطالبات أيضاً، الذين يفترض أن يكون معلمهم وقائدهم في ظروف نفسية سليمة، وعلى قدر كبير من العطاء، ولكن معظم المنتسبين إلى هيئة التدريس لديهم مشاكل لا حصر لها، والسبب، القائد، مدير ومديرة المدرسة، حيث يتعامل البعض مع موظفيه وكأنهم عمالة وافدة، تهديدات لا تنتهي، تعهدات يُجبر البعض على التوقيع عليها، بسبب خطأ لا يمكن أن نراه نحن الأصحاء والعقلاء خطأ، لكنه من وجهة نظر المدير والمديرة أن هذا الخطأ يمكن أن يحول المدرسة بأكملها إلى ساحة «كباريه» للأسف الشديد.
وهنا لا أعرف الطريقة التي يصل بها شخص ما إلى أن يكون مديراً أو مديرة؟ هل لأنه حاصل على شهادات عليا، أم لأنه متفوق في مجال تدريسه، أم لأنه كائن فضائي يأتي ليخبروه بأن هذه المدرسة ما هي إلا سجن مركزي، والمعلمين والطلاب من الجنسين ما هم إلا مساجين يقعون تحت طائل رحمته. على وزارة التعليم أن تخبرنا بكيفية اختيار مديري ومديرات المدارس اللاتي يعاملن المعلمات بأسوأ مما يستحقونه، حينما لا تتفق مديرة المدرسة مع إحدى المعلمات، ما الذي يحدث للمعلمة التي لا تستطيع أن تتلاءم مع طلبات المديرة الشخصية، أو حينما تكون المعلمة ليست من ذلك النوع الذي يمكن له تمجيد خطوات المديرة حتى ترضى عنها، الضغوط التي يمارسها العديد من مديرات المدارس على معلماتهن ينعكس بشكل سلبي على طاقة ومشاعر المعلمة، مما يجعلها في مزاج حاد على الدوام بسبب وجود مسابقة تضعها المديرة لكشف أخطاء المعلمات اللاتي لم يرتح قلبها لهن، إن ما يحدث يا وزير التعليم في العديد من المدارس ما هو إلا مسخرة، وأعتذر عن هذا اللفظ القاسي، لكنها الحقيقة التي تعلمها بالتأكيد ولكنك ترفع يدك عنها، من دون أن تنظر إلى كم الشكاوى التي تصل إليك ولا تنظر إليها!
لقد دهشت من الوضع المزري الذي يعيشه الكثيرون من المعلمين، وأريد فقط أن أشير إلى نقطة في غاية الأهمية، وهو السلوك القمعي الذي يمارسه المديرون والمديرات هل يجب أن تغفل عنه إدارة التعليم؟ وكيف يمكن تقويم سلوك المسؤولين عن إدارة المدارس؟ وهل يجب أن تقوم إحدى مديرات المدارس بالضغط على معلماتها لكي يشتركن معها في «قروب» خاص للمدرسة، ومن تغادر القروب حتى يتم تقديمها لمحاكمة علنية، وتوقيع تعهد خطي، في أي عصر نحن نعيش معالي الوزير؟ منذ متى كان على المعلم أن يبقى على اتصال حتى بعد نهاية دوام العمل الرسمي؟ ليتلقى أوامر المديرة وأفكارها وأحاسيسها، ويستمع إلى وصلة من «الردح» أحياناً لإحدى المعلمات المشاركات في القروب في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بدلاً من أن تطلب من المعلمة اجتماعاً بمفردها، تتحدث فيه عن الأخطاء التي وقعت فيها المعلمة، تقوم بفضحها من خلال قروبها الذي تترأسه وكأنها القائد المبجل «هتلر»! أي تعليم هذا الذي يمكن أن يجعل العلاقة متوترة والمعلمات متوترات، من أي خبر صاعق يأتي فوق رؤوسهن بينما كن ينعمن بوقت لطيف مع أسرهن، فينقلب الحال إلى وضع نفسي سيئ، بسبب قروب المديرة، التي تعاقب كل من يخرج من مجموعتها، يبدو أن نفسية المديرة رقيقة جداً فهي لا تكاد تغفر لأي معلمة تغادر المجموعة، فهل يمكن أن تمنع مديرات ومديري المدارس التعليمية، بعدم فرض وجود قروب للمعلمين حتى يتمتع الجميع بعد ساعات العمل بقضاء أوقات طيبة مع أسرهم وأطفالهم، إلى جانب أني أطالب وزير التعليم بعمل دورات لا تتوقف عن تعريف مديري ومديرات المدارس في كيفية إدارة الموارد البشرية، قبل إعطائهم دورات عن تحليق المسار العلمي نحو الآفاق، وزرع بويصلات ذهنية في عقل الطالب والطالبة من دون ألم؟ هل يمكنك ذلك يا معالي الوزير.