«قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، عبارة مؤثرة تتحول أحيانا -من واقع تجربة- إلى عقبة نفسية حقيقية أمام المعنيين بتطبيق القانون.
نعم، هي عبارة تعبق بالرحمة والإنسانية، لكنها عقبة حقيقية أمام سيادة القانون!
قبل أيام، مررنا بأحد الشوارع الحيوية، فوجدت ازدحاما يؤثر على الحركة المرورية. سر الزحمة مجموعة من الباعة والعمالة الوافدة و«بسطات» الخضار. قلت للذين معي: هذه مسؤولية البلدية، يفترض إبعاد هؤلاء عن الشوارع الحيوية، درءا للحوادث.
قلت ذلك، وبعدها «مين اللي طفا النور» -على رأي سمير غانم- انهالت الكلمات المؤنبة على رأسي: «اُترك الناس تترزق الله. قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. هذولا وراهم أسر وأطفال»!
- قلت لهم بصوت هادئ: هل تريدونها دولة قانون ونظام، أم جمعية خيرية؟!
- سكتوا. وأكملت قائلا: أقف مع المواطن، ومع الوافد الشريف، وأشجعهم وأساندهم. لكن ليس بتركهم بهذه الصورة الخطرة على أنفسهم، وعلى غيرهم. إن كنا صادقين في عاطفتنا يفترض المطالبة بتخصيص أماكن آمنة لهم، وأرصفة وشوارع محددة، وليس على الطرق المزدحمة«!
- نقف مع كل إنسان يبحث عن رزقه، ونرفض امتهان كرامته واستخدام القوة لإزالة ممتلكاته، لكن ينبغي أن يكون عمله بالصورة الآمنة والسليمة.
وفي كل الأحوال حينما تتسع العدسة، سنجد أن العاطفة وتأنيب الضمير يقفان حائلا بيننا وبين القضاء على كثير من الظواهر السلبية في مجتمعنا.
والمشكلة الأكبر أن ردود الفعل غالبا ما تأتي متعاطفة مع المخطئ أو المقصر في وزاراتنا ومؤسساتنا ومنشآتنا.
فيتمادى المقصر في تقصيره والمخطئ في أخطائه. تسوقهم العاطفة دون يقين، أو حتى دون لحظة تجلٍ واحدة مع النفس لتقدير الأمور بعين العقل والمنطق. فتطغى العاطفة على النظام، وتختل موازين العدالة، وتصبح اللوائح هشة تنهار أمام أول صوت:»قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، فتصبح كالسيف المسلط على رقبة كل شخص يريد الوصول بكم إلى المدينة التي تحلمون بها!.