قضيت سواد ما قبل الأمس في منشأة صحية خاصة لظرف طارئ لا يستدعي القلق (إن بقي حولي من يقلق). كل القصة في المتناقضات. في الطوابير الطويلة المتجاورة كي تدفع فاتورة الحساب المذهلة، وبعدها من الصعب جداً أن تسأل عن التفاصيل أو تستفسر عن خدمة طبية لم تطلبها في الأصل لأن ذلك يعني أن تذهب لصاحب الشأن ثم تعود مرة أخرى في ذيل الطابور المذهل من جديد. في النقيض الآخر، وبينما تذهب بطاقة الائتمان أسيرة خلف الزجاج تكتمل الصورة: ابن الوطن مجرد مريض في العيادات والطوابير، والوافد وحده هو المتشافي المعافى. هو موظف الاستقبال والحساب، مثلما هو الممرض مثلما هو فني المختبر ومثلما هو الواقف على نافذة الصيدلية وكاونتر الأشعة ومثلما هو في كل ركن وزاوية. الحالة الوحيدة التي لم أشاهد بها السعودي مريضاً في العيادات أو في الطوابير هي حالة البؤس – حراس أمن – على الأبواب الرئيسة للمستشفى الخاص الضخم ثم تخيلوا أن أحدهم يقبل بألف ريال في الشهر لأن الوظيفة على – باب كريم – قد تدر بعض نقود الصدقة من المحسنين إذا ما انتبهوا للوحة على يسار الباب (داووا مرضاكم بالصدقة) فكأنها تقول: ابن الوطن يعيش على الصدقة. كيف لابن الوطن أن يهضم المعادلة: طوابير طويلة جداً على العشرات من منافذ الحسابات، وبهذه الآلاف من الأموال في الدقيقة الواحدة، ثم يحمل ملفه إلى شؤون التوظيف بهذه المنشأة أو إلى مثيل لها فلا يجد أكثر من الزحام إلى منفذ الوظيفة على حراسة الأمن؟ حتى في النقود والحسابات تقف الحياة مع القوي ضد الضعيف. السعودي الآخر الذي قابلته بالعشرات في المبنى المجاور هم طلاب الكلية الصحية الخاصة بالمستشفى. يدفعون رسوم الدراسة مناصفة من جيوبهم ومن صندوق الموارد البشرية بتكلفة عشرين ألف ريال للفصل الدراسي الواحد وكلها تذهب أيضاً لطوابير المحاسبة في الجيب الواسع الذي تحدثت عنه من قبل. ولكن: هل سيضمن لهم المستشفى وظيفة بعيد التخرج؟ والجواب أنه لم يستوعب واحداً قط من طوابير الشباب السابقين وأكثر من هذا فإنهم يوقعون ليلة الالتحاق بالكلية إقراراً أن المنشأة الصحية الخاصة غير مسؤولة عن الوظيفة. هي مسؤولة فقط عن التدريب. عن عقدها الضخم مع صندوق الموارد البشرية بالملايين. ثم أتدرون أين الطامة: هي أن هذه المنشآت الصحية الخاصة تعتبر هؤلاء الطلاب ضمن حدود السعودة وتقدم أسماءهم لمكتب العمل رغم أنهم البقرة الحلوب. خرجت صحيحاً بحسب التقارير ومريضاً بعشرات المشاهد.