لأننا عزمنا في رؤيتنا الطموحة على تحويل مزايانا النسبية، الناتجة عن ثروة النفط، إلى مزايا تنافسية قائمة على اقتصاد المعرفة، اتجهنا شرقا لتوطيد تكاملنا الاقتصادي مع الدول الآسيوية، وتعظيم استثماراتنا التنموية، وزيادة صادراتنا العالمية. لذا تركزت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي إلى جانب التعاون الأمني والسياسي، لتشهد هذه الزيارة على توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية لتطوير القطاعات السعودية غير النفطية، وزيادة استثماراتها العالمية، وتنويع مصادر دخلها.
ولأننا نراقب بشغف نجاح الدول الآسيوية، التي طالما اعتمدت على استيراد النفط السعودي، اتجهنا شرقا لنستفيد من نجاحاتها في تحقيق أعلى نسب النمو في العالم، وإنتاج وتسويق أعقد أجهزة الاتصالات وتقنية المعلومات، وابتكار أشهر معدات تحلية المياه ومحطات توليد الكهرباء، لنستحق مع هذه الدول تكوين شراكتنا الإستراتيجية، وتحصين تكاملنا الاقتصادي، من خلال مقايضة مزاياها التنافسية بمزايانا النسبية، مما يؤهلنا جميعا لتطوير صناعاتنا التقنية، ورفع مستوى كفاءتنا الإنتاجية، وفتح المزيد من الأسواق العالمية أمام تجارتنا الدولية.
ولأننا نعتز بعلاقاتنا التجارية المتطورة مع ماليزيا، التي أصبحنا في العام الجاري أكبر شريك تجاري لها بعد أن قفز مستوى التبادل التجاري بيننا في العام الماضي بنحو 28%، تم التوقيع على 7 مذكرات تفاهم واتفاقيات استثمارية بمبلغ 8 مليارات ريال في مجالات الأمن والطاقة والنقل وتطوير اللقاحات والأغذية وصيانة الطائرات والبرمجيات.
ولأننا نفتخر بمكانة إندونيسيا المميزة، التي تشرفت بكونها أكبر دولة في عالمنا الإسلامي، تم التوقيع بين البلدين الشقيقين على 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بمبلغ 13.5 مليار ريال في مجالات الأمن والطاقة والتجارة والتعليم والإسكان والنقل والصحة.
ولأننا نتابع بإعجاب معجزة اليابان الفريدة، التي تعتمد في تصنيع منتجاتها على 86% من المواد الأولية المستوردة، وبدأت خطوات تحولها الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية بتطبيق نظرية التفاضل التقني، التي تعتمد على تفوق التقنية عند تساوي أسعار المنتجات الصناعية في الأسواق العالمية، فإننا نتطلع شرقا إلى نقل التجربة اليابانية للمملكة، ومشاركتها في الصعود بجدارة قمة المبتكرات التقنية، وتفوقها على الدول الغربية في غزو الأسواق الاستهلاكية، لتحقق المركز الرابع كأكبر اقتصاد بين دول المعمورة، وثالث أكبر مُصَدٌر للمنتجات الصناعية في الأسواق العالمية.
ولأننا نتطلع إلى الاستفادة من مراحل تطوير مكانتها التنموية، التي أقرتها قبل ثلاثة عقود لإعادة هيكلة نظام التعليم في مدارسها وجامعاتها، فقامت بتوجيه مخرجاته لإنشاء جيل من الخبراء والمهنيين والمصنعين، وفتحت أسواقها للاستثمار الأجنبي وإلغاء تحكّم الدولة في الأسعار، فإننا نتجه شرقا لنقل خبرة اليابان التي فازت بثالث أفضل المستويات العالمية في تسجيل براءات الاختراع، وحققت ثاني أهم مركز لإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي ساهمت بنسبة 64% في توطين الوظائف و83% في الناتج المحلي و75% في الصادرات اليابانية.
ولأننا نحرص بشدة على تعظيم شراكتنا مع الصين، التي تعتبر اليوم أكثر شعوب الأرض كثافة وأكبر دولة مُستوردة للنفط السعودي بنسبة 14% من إجمالي احتياجاتها، ونتوقع زيادتها إلى 37% بحلول عام 2030 نتيجة ارتفاع استهلاكها إلى 20 مليون برميل يوميا، فإننا نتجه شرقا إلى الصين للاستفادة من مكانتها الدولية وأسواقها الواعدة، وزيادة انفتاح اقتصادها على العالم الخارجي، خاصة بعد إطلاق خططها الإستراتيجية مطلع عام 2010 ونجاحها في تخصيص منشآتها الحكومية وتخفيض حصة الدولة فيها إلى 34%، مما أدى إلى سرعة تنفيذ برنامج تحولها الوطني وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أسواقها.
ولأننا نتشوق إلى تعزيز مصالحنا المشتركة مع الصين، التي بادرت في إحياء مشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، فإننا نتطلع شرقا لزيادة تكاملنا الاقتصادي مع الصين، من خلال انضمامنا لهذا المشروع الحيوي، خاصة أن التجارة السنوية للدول المطلة على هذا الطريق ستتجاوز خلال العقد القادم قيمة 2.5 تريليون دولار. وهذا سيدفع المملكة والصين إلى مضاعفة تجارتهما الخارجية بحلول 2020 بنسبة 160% مع الدول العربية و200% مع إفريقيا، خاصة أن المملكة والصين سترفعان رصيدهما من الاستثمار في المنطقة من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
ولأننا نتمتع بأقوى قطاع خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإننا نتجه شرقا لتعزيز مشاركتنا مع الدول الآسيوية، وتعظيم استفادتنا من طريق الحرير، لتوسيع رقعة قاعدتنا الإنتاجية وصادراتنا السلعية، مما يؤهل قطاعنا الخاص ليكون الشريك الأنسب للمشاريع الكبرى المتعلقة بصناعة السفن العملاقة، وخدمات الأحواض الجافة، وأنشطة النقل البحري، والمناطق الاقتصادية المؤهلة، لترتفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65% خلال السنوات الخمس المقبلة، وتزداد قيمته المضافة المحلية بنسبة 300%، وتتضاعف حصة صادراته غير النفطية إلى حوالي 35%.
ولأننا جزء لا يتجزأ من السوق الخليجية المشتركة، التي تسعى لدمج الاقتصاد الخليجي وتحويله إلى اقتصاد معرفي، فإننا نتجه شرقا لنقل تجربة اتفاقية التجارة الحرة بين مجموعة دول «آسيان»، المكونة من 11 دولة في شرق آسيا، والتي فاق حجم إجمالي ناتجها المحلي خلال العام الماضي 15 تريليون دولار أميركي، ليعادل 20% من الناتج الإجمالي العالمي، و70% من الإجمالي الآسيوي.
ولأن رؤيتنا الطموحة تهدف إلى صعود اقتصادنا خلال السنوات القليلة المقبلة للمرتبة الـ15 ضمن أكبر 20 اقتصادا في العالم، فلا بد لنا أن نتجه شرقا لتوطيد علاقتنا وتعزيز تكاملنا مع الدول الآسيوية الصاعدة في مراتبها العالمية.