تُفاجئنا مؤخرا هيئة الترفيه، بإعلاناتها عن فعالياتها المختلفة، من إقامة حفلات غنائية وموسيقية بعد توقف دام سنوات طويلة من هجرة الفن السعودي للخارج، واستضافة أسماء عالمية فنية واجتماعية، كالموسيقار الكبير عمرو خيرت، الذي أحيا أمسية موسيقية قبل عدة أيام وغيرها من الفعاليات المتوسطة إلى الصغيرة، وتتعرض في نفس الوقت لتيار ممانعة كبير توجهه فئتان: إحداهما من المعارضين القدامى لمختلف الفنون من المتشددين وبقايا الصحويين، الذين تسيد فكرهم الإقصائي لخيارات الآخرين في المشهد الديني والاجتماعي والثقافي لفترة طويلة من الزمن؛ فأصبح بعض ما تقدمه هيئة الترفيه للمجتمع الآن من حفلات غنائية وموسيقية وشخصيات عالمية، يعد لديهم مسألة لا تقبل النقاش لمبررات شرعية غير صحيحة، اقتنعت بها شريحة كبيرة من الجيل الحالي في سنوات أوج حراكهم، وأصبح النداء لمقاومة ومعارضة مثل هذه الفعاليات، يأخذ طابعا دينيا بشعارات لا تخلو من عبارات مثل «بلاد الحرمين» و«فساد الأمة» و«الإنكار قدر المستطاع» ونحن «الفرقة الناجية».
الفئة الأخرى هم من الذين ينتقدون هيئة الترفيه، إما مواكبة لموجة النقد لأجل النقد بحثا عن اختلاف يتوهمه الشخص في تقمصه دور «المعترض» لأي أمر مستحدث، أو أنه ينتقد «الحماس المفرط» لهيئة الترفيه الذي يظهر في استضافتها لتلك الأسماء العالمية لأجل إثبات أنها قادرة على القيام بغير الممكن ولا المتوقع، كاستضافة الفنان السينمائي الشهير «آل باتشينو» ليتحدث عن تجربته السينمائية، في حين أنه لا توجد لديها صناعة سينما حقيقية ولا صالة سينما واحدة تعرض فيها أفلامه على الجمهور!
وأتساءل في حال استضافة «أوبرا وينفري»، هل ستلزم بتغطية شعرها أثناء تنقلها في السعودية؟ وهل ستحدد لها المواضيع التي عليها أن تتحدث حولها والموجهة لامرأة سعودية، باعتبار أنها سيدة حرة ومستقلة ولها تجاربها القاسية في بدايتها، والتي قادتها لهذا التميز الكبير، وجعلتها رمزا للمرأة الناجحة حول العالم؟، وهل ستمنع من الحديث عن حرية المرأة وحقها في الاختيار أو الحديث عن علوم الطاقة وقوانين الجذب والتنمية البشرية التي منعت لدينا مؤخرا، وهي تؤمن بها وتطبقها، وتعد تلميذة وصديقة لعدد من رواد علوم الطاقة وخبرائها كـ«ديبا كشوبرا» و«لويز هايوواينداير»؟.
هذه الفئة الأخيرة أيضا تنتقد الأسعار المبالغ فيها لحضور تلك الحفلات ومركزيتها في بعض المدن دون غيرها، فبزعمهم أن الترفيه ليس حكرا لطبقة عن طبقة أو جهة عن جهة أخرى.
بين هذين التيارين تقف المرأة السعودية في دائرة الأغلبية الصامتة في المجتمع السعودي، والسبب الأول لكل صراعاته وتناقضاته والجدل حول ما يجب وما لا يجب، وتضطر مؤسسة حكومية كهيئة الترفيه إلى أن تبحث عن ألف مخرج، وتضاعف الجهد والنفقات، حينما تفكر في إقامة فعالية ترفيهية تتمكن المرأة من المشاركة فيها أو حضورها. ويبدو أن إعلانها الذي قوبل بموجة سخرية قبل عدة أسابيع عن السماح للمرأة بحضور فعاليات «مزايين الإبل» يأتي من باب جس النبض والبدء بالأهون وبما يميل له غالبية الممانعون كالإبل ومهرجانتها!
ولأن يوم بعد غد هو اليوم العالمي للمرأة (9 مارس)، وكمشاركة تطوعية لهيئة الترفيه، أقترح ثلاث نقاط تحضرني الآن، والتي قد تستفيد منها لدعم ترفيه المرأة السعودية المغلوبة على أمرها بالعزل، وربما قد تجد في بعض الاقتراحات ما يتفق مع طموحاتها:
- البت بالفعل في أمر إقامة حفلات غنائية خاصة بالنساء تحضرها كبار الفنانات العربيات، وقد انتشرت إشاعة بهذا قبل أيام، سارعت الهيئة إلى نفيها- سيبدو الأمر غريبا بفرض الخصوصية السعودية على الفن حول العالم، وإقناع الفنانات بمبالغ إضافية من المال، بأن يكون الحفل نسائيا بحتا، وعزل الفرقة الموسيقية خلف «حاجز العفة» على المسرح، وإن أرادت أن تتخلص مما قد يحرجها من اشتراطات الفنانات العربيات الكبيرات، فلتبدأ التجربة مع فرق «الطقاقات» الشهيرات محليا.
- استغلال السماح للمرأة بحضور فعاليات مزايين الإبل بإحياء عادة الجدات منذ عهد ظهور أول ناقة، بركوب ظهورها والتدرب على قيادتها، وتستقطع مقابل «الطعس» الذي تتنقل فيه الناقة مبلغا وقدره، تتقاسمه مع ملاك الإبل، قد تساهم هذه الفكرة في «حلحلة» فكرة خصوصية المجتمع الذي لا يسمح بقيادة المرأة للسيارة، ويرى أنها ما دامت قادرة على امتطاء وقيادة إحدى المزيونات –مع اعتذاري لهن- فإنها ستقدر بالتالي على الآلة في الشوارع المعبدة.
- استضافة شخصيات وطنية في لقاءات خاصة مع النساء تتحدث فيها الضيفات عن تجاربهن وشهرتهن، الطاقات الوطنية ستكون أقل تكلفة وأقدر على تفهم المجتمع وطبيعته واحتياجاته، لن أقول استضافة البروفيسورة غادة المطيري، فهي عند الكثير من السيدات المنتميات لتيار المعارضة تعد قدوة سيئة وتغريبية التوجه والمصير، ولكن أقترح «أم سلك» كمثال.
ختاما، الترفيه ليس حقا فقط للإنسان أو ضربا من الترف غير المبرر، أو خطة تنموية وضعت ضمن أجندة الرؤية التي تطبق في جميع مفاصل البلد في الوقت الراهن، وليست حكرا على الرجال دون النساء أو تحتاج كل ذلك التعقيد والتهويل والمبالغة أو الانصياع لرغبة تيار على تيار آخر في البلد. قرار استحداث هيئة للترفيه في الوطن كان قرارا شجاعا لابد أن تقابله في التطبيق والتجويد شجاعة مماثلة، وتحد يليق بعظمة التغيير الذي تحدثه مبادرات صغيرة. ولكن الأمور العظيمة لا تستقيم إن كانت عرجاء تقف على ساق واحدة وتهمل الأخرى، ولا تنجح إن بدأت بطريقة معكوسة وفضفاضة وغير منطقية. وكل مارس وأعظم نساء الدنيا –السيدة السعودية- بخير وسلام وترفيه يليق.