حملت كثيرا من الفضول، لكن السؤال الوحيد الذي حرصت على العودة من الجبيل الصناعية بإجابته هو: ماذا عن التلوث؟!.
المصانع وأدخنتها وأغبرتها «حذفة عصا» كما يقول المثل الشعبي!
بمعنى آخر: لا يمكن أن تطالبني باستنشاق هواء نقي ونحن نتجول وسط مئات المصانع!
غني عن القول إن الصناعة في الجبيل الصناعية هي خيار المملكة الأول، بتروكيماويات وحديد وأسمدة صناعية، وصناعات خفيفة، ناهيك عن أنها تطل على الخليج الذي يعبر خلاله 40% من النفط المنقول بحرا في العالم.. وزاد الطين ماء، ما ذكرته منظمة الصحة العالمية أن الجبيل - إضافة للرياض والدمام - ضمن أكثر 20 مدينة تلوثا في الهواء بالعالم!
وللأمانة فقد اتسعت صدور مسؤولي حماية ومراقبة البيئة بالهيئة الملكية بالجبيل لانتقاداتنا بشكل كبير.. وبذلوا جهدا كبيرا في إقناعنا بعدم صدق تقرير منظمة الصحة العالمية الذي اعتمد على معلومات مضللة، وأنهم بدؤوا اتخاذ خطوات قانونية لمقاضاة المنظمة وإلزامها بتصحيح معلوماتها، وعرضوا لنا جهودهم في الحفاظ على البيئة ومعاييرهم الصارمة في نقاء الهواء والماء.
النقطة الأخرى التي حيرتني هي غياب الجبيل الصناعية عن ذاكرة المجتمع خارجها، لا أتحدث عن دورها في دعم اقتصاد بلادنا وتوطين اليد العاملة والارتقاء باليد العاملة السعودية المدربة.. هذا هو السبب الرئيس لإنشائها وليس ثمة مبرر لتوضيح الواضح.. ناهيك عن أننا شاهدنا بفخر مواليد ما بعد حرب الخليج الثانية وهم يديرون مصانع هذا العملاق العالمي.. الذي أعنيه هو غيابها عن مضمار السياحة الخليجية الذي أخذته «بالصوت» مدن سعودية وخليجية كثيرة!
حينما تتجول في الجبيل يخيّل إليك أنك تتجول وسط عاصمة أوروبية.. دعك عن تقدمها التعليمي والصحي والصناعي والتقني، وحدثني عن جمالها، وهدوئها، وشوارعها الانسيابية، ونظامها المروري الفريد، وهندستها الأخاذة، ومرافقها وشواطئها الخلابة.. وغير ذلك مما يجعلني أضعها في خانة «المدينة المنسية».
جلست في الجبيل 35 ساعة بالضبط، وخرجت وقد اقتنعت بأن الجبيل الصناعية مدينة عصرية تناسب الأسرة السعودية.. بل أظنها خيارا مناسبا للسياحة الداخلية.
ولو حدثني أحد عن الجبيل الصناعية قبل زيارتها لما اقتنعت.. لكن كيف يصل ما شاهدناه إلى الناس كي يقتنعوا مثلنا.. ذهبت بسؤال وعدت بسؤال!