هناك مشكلة حقيقية تواجه المتخصصين في دراسة الإرهاب ومسبباته، فهي في غالبها تنطلق من خلال دراسة الصورة النمطية للعمل الإرهابي أكثر من دراسة الظروف الحيادية المحيطة التي تنتج الفعل الإرهابي، باعتباره تعبيرا تمرديا عنيفا، كما أن غالبية الأسباب التي تتحدث عن الإرهابيين تتركز حول كونهم مرضى نفسيين أو لكونهم انعزاليين استطاع من غرر بهم التأثير عليهم ودفعهم باتجاه تبني الأفكار العنفية، دون أن يكون هناك كثير من التحليل حول الأسباب التي تحيط بهم اجتماعيا وثقافيا.

كما أن دراسة هذه الظاهرة على المستوى العالمي في غالبها ممولة من قبل الجهات الرسمية، الأمنية منها أو الدبلوماسية، والتي بفعل الأجندة المحددة لها سلفا تجد نفسها منقادة للرأي الحكومي، والمخرجات التي تأمل أن تؤديها الدراسة، وهو بطبيعة الحال لن يكون بالضرورة الحل أو الرأي العلمي الذي يضع في عين الاعتبار الوقائع أو المسببات المحايدة التي من خلال فهمها يمكن أن توضع الحلول القصيرة والمتوسطة والطويلة الأمد.

يقول المهتمون بهذا الشأن إنه من الصعب فهم الإرهاب ما لم يتم النظر لطرفي العملية العنفية، فمن جهة هناك الإرهابي والدوافع التي تحركه والعوامل التي جعلت الفكرة تنشأ والفرد يتحرك، وهناك على الطرف الآخر الدولة وعوامل تراخيها وشدتها في التعاطي مع مسببات ونتائج الإرهاب أو تسهيل ظهور الأفكار المتشددة أو الدفع نحو ظهورها، فالحركة لا بد لها من محرك، ولكي نفهم سبب التحرك علينا أن نفهم وندرس بحيادية وأمانة العوامل التي أدت للتحرك في لحظته الأولى، والتعامل معه من منطلق ما يجب أن يكون، لا من منطلق ما نريد أن يكون. هناك فرق بين القانون والعدالة، فليس كل قانون عادلا بالضرورة، فبعض القوانين تفرض لأنها الحل الأسرع والأنجع في وضع حدود لإشكالية قد يكون من المعقد دراستها، والعمل على وضع حلول حقيقية ودائما لها، ومن هنا فإن النظر لموضوع الإرهاب باعتباره إشكالية يمكن حلها بالقانون يفتقر لبعد النظر، وربما الجدية في معالجة أسبابها، وإن كانت قادرة على ردعها على المدى المنظور. لا بد أن يكون الإرهاب الشفهي باعتباره نواة الإرهاب العملي الأساس في دراسة هذه الظاهرة، فالتنمر الذي يظهر على بعض الأطفال قد يكون الجين الأول الذي يتطور مع مرور الأيام، ليصبح فيروسا عنفيا رافضا لأي مختلف وناقم على كل مخالف، ومظاهر التوحد التي تجمع الجماعات من حيث الملبس والمظهر والخطاب هي ذاتها عوامل التعبير الأولى للتحزب الذي ينتج مع الوقت اتحاد الجماعات نحو هدف بعينه قد يكون مسالما، وفي كثير من الأحيان عنفي تمردي خارجي.