إذا أردنا أن نخفف الحزن الذي أصابنا بعد وفاة الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله، لابد أن نفكر في الأسباب التي جعلتنا نحب الدكتور اليماني وأدخلت علينا السرور عندما كان يعيش بيننا. تكمن جميع هذه الأسباب في اتساع قلبه الحنون.. داعماً بمشاعره ونخوته نحونا وفي جل أعماله الخيرية والإنسانية نحو الناس أجمعين بداية من الضعفاء والمحتاجين إلى كبار القوم. وبالتالي علينا أن نحافظ على استمرار رسالته التي أفنى فيها زهرة شبابه وكرس لها شيخوخته وأغدق عليها بجاهه وأمواله. وخير وسيلة لذلك، إنشاء مركز ثقافي يحمل اسمه وينقل رسالته.
لم يعد الدكتور محمد عبده يماني بعد وفاته ملكاً لأسرته وأهله فقط بل هو ملك للمجتمع الذي نشأ فيه وكرس جهده وأغدق بماله على خدمة ثقافته وعراقة تراثه. لذلك من المؤمل أن يشترك رموز هذا المجتمع مع أهله في التخطيط لبناء هذا المركز. وأنا هنا أدعو صديقه معالي الدكتور عبد العزيز خوجة بصفته رفيق دربه المخلص.. وأدعو الشيخ صالح كامل صديقه الوفي وخال أبنائه وأدعو زوجته وأبناءه إلى رعاية فكرة هذا المركز وسوف يجدون الدعم والمؤازرة من المحبين لحبيبنا أبي ياسر حتى يخرج مركزه إلى النور.
سوف أتجاوز متطلبات التخطيط لأصل على عجل إلى الرؤية المستقبلية لهذا المركز. فغداً سوف نراه راعياً لجائزة الدكتور محمد عبد يماني في العلوم، لكني أتوق إلى رؤية ثلاث جوائز: أولاها لحفظ القرآن الكريم والثانية لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والثالثة للتراث والثقافة المكية. إلى جانب ذلك أتطلع لأرى بحوثاً ودراسات عن شخصيته فهو مثال للشخصية المتفانية في فتح قنوات المحبة مع جميع أطياف المجتمع لأنه يدرك ويؤمن أن التعددية ضرورة لتكامل صورة المجتمع التي لا تتحقق إلا من خلال الاحترام والاعتراف المتبادل بين هذه الأطياف. وهكذا وجدنا إجماعاً على حبه من جميع الأطياف.
كانت رسالة الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله ثرية وزاهية ومع ذلك لم تكن معقدة، بل ببراعته جعلها شعبية تستهدف قطاعات كبيرة من الناس. تنطلق ببساطة من مفهوم النخوة الذي نشأ عليها حسه الاجتماعي في الحارة وفي المدرسة وفي حصوة الحرم على أيدي علماء مكة المكرمة في الزمن القديم. فقد كانت النخوة عنده محبة وإيمان. ومن أجل ذلك كان منشغلاً بدعم مشاريع حفظ القرآن الكريم ونشره.. ومنشغلاً بنشر محبة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس. وكانت هذه المحبة الإيمانية تتطلب منه تجسيدها لخدمة المحتاجين والانتصار للضعفاء. وقد استثمر رحمه الله وجاهته ومركزه وعلاقاته الواسعة مع المسؤولين والوجهاء لهذه النخوة. وهي بدون شك رسالة بسيطة لكنها خلاقة، ويجدر بنا أن نحفظ استمرارها في مركز الدكتور محمد عبده يماني الثقافي.