تبنت دول الجوار السوري، خلال السنوات الست المنصرمة، مقاربات ومواقف مختلفة من «المسألة السورية» الجديدة، المستندة إلى أساس جيو- تاريخي، تمثل بدوره في المسألة الشرقية التي نجم عن حلها ظهور «المسألة السورية» التي تمثلت في عملية فك وتركيب خريطة بلاد الشام·
وفي هذا السياق أنشأت فرنسا في سورية - بين عامي 1920 و1922 - ست وحدات سياسية، أضفت على كل واحدة منها صفة «المستقلة» لكونها مستقلة عن غيرها من البلاد السورية، ولو كانت خاضعة لسيطرتها، ومنها: دولة لبنان الكبير، ودولة دمشق· كما أنشأت فرنسا اتحاداً بين الدول السورية المستقلة، أفضى لاحقاً إلى الاستقلال السوري الأول. بينما كان الاستقلال السوري الثاني عن مصر، حيث كان فشل تجربة الوحدة السورية - المصرية مؤشراً على تجدد «المسألة السورية».
وقد تمثل جديد المقاربة الأردنية لـ»المسألة السورية» الجديدة، في الغارة الجوية لطائرات سلاح الجو الملكي على مواقع «داعش» في الجنوب السوري مؤخرا، والمشاركة في لقاء «أستانا»، وهي مقاربة ترتكز على محاربة الإرهاب ضمن التحالف والتنسيق الكامل مع روسيا، والحصول على دور فاعل في مفاوضات أستانا، أو في أي خطوة تساعد على حل الأزمة السورية.
وكانت هناك مقاربات أردنية لـ»المسألة السورية» الجديدة، تمثلت في أن الأردن «لن يغامر بإرسال قوات برية إلى الداخل السوري»؛ والدعوة إلى منطقة عازلة شمالي الأردن؛ والاعتقاد أن الفرصة قد لا تكون متاحة لتطبيق مفهوم المنطقة الآمنة التركي شمال سورية على شمال الأردن.
وتمثلت المقاربة الأردنية اللافتة لـ»المسألة السورية» الجديدة، في نفي الملك عبدالله الثاني أن تكون للمملكة الهاشمية أية طموحات في العراق وسورية. واستغرابه سوء فهم تصريحات سابقة له حول ضرورة دعم العشائر في المناطق الحدودية مع سورية والعراق، وقوله «أنا مستغرب ربط البعض لموضوع دعم العشائر في سورية والعراق، بمشروع اللامركزية في الأردن، على أساس أن هناك طموحات أردنية في سورية والعراق، وهو كلام لا وجود له».
ولكن استحضر النفي الملكي، لوجود أيّة نوايا للتوسُّع الجغرافي على حساب دول الجوار، سيناريو «الأردن الكبير»، نظراً لأن هذا الخيار يضع القيادة الهاشمية في عدة إشكالات فنية معقدة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويُسهم التعريف الهوياتي الفضفاض، والجغرافيا الأردنية المُتغيرة تاريخياً، وطبيعة الإرث التاريخي الهاشمي ذي الجذور الممتدّة إلى «سورية الكبرى» والعراق، في تسويغ فكرة «الأردن الكبير».
كما أن المُكوّن السكاني والعشائري في جنوب سورية وغرب العراق منسجم إلى حد بعيد، وممتد داخل الأردن. وتبدو الإدارة الأردنية لمسرح الحدث واضحة في جنوب سورية، إذْ تُراعي جميع الأطراف حالياً الخطوط الحمراء الأردنية. وقد نجحت تجربة الأردن مع المكونات العسكرية في جنوب سورية، حيث تمّ عزل ومحاصرة القوى المتطرفة.
أما في غرب العراق، فالمكون العسكري يرتبط مباشرة بمجلس العشائر الذي يرتبط بدوره بعلاقات سياسية وتنسيقية جيدة مع الأردن. وعلى الرغم من أن الوجود الأردني يخضع لحسابات معقدة، لكنّ مساعي الأردن لتحقيق الأهداف السياسية والأمنية تتمّ مزاوجتها مع تأمين قدر من الحماية والرعاية للسكان المحليين.
ومن مبررات سيناريو «الأردن الكبير» احتواء الاختراقات الإيرانية، ومنع إيران من تفعيل المزايا الجيواستراتيجية لبوّابتي الأنبار ودرعا، أو إحداث تغييرات ديموجرافية عميقة ومستدامة في هذه المناطق. كما تخشى الدول العربية من أنّ استمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى تحوُّل مناطق جنوب سورية وغرب العراق إلى بؤر لإنتاج المخاطر الأمنية بشتّى أنواعها، ومن ثم تسرُّبها إلى الأردن وشبه الجزيرة العربية.
ويحتوي مشروع «الأردن الكبير» على الكثير من المخاطر، ففكرة التوسع، أو التمدُّد الجغرافي قد تعرض الأردن إلى مخاطر وجودية تنشأ عن انتقال الفوضى إلى داخل حدوده، وقد يُحفّز هذا المشروع عدّة قوى إقليمية لاستهداف الأردن والعائلة الهاشمية.
وثمة خشية من ذوبان الأردن في محيطه الديموجرافي. وعلى الرغم من ارتباط سكان جنوب سورية وغرب العراق اجتماعياً ومذهبياً بالأردن، فإن جزءا كبيرا منهم يرتبط بالمنظومة الاقتصادية لبلدانهم.
ويعيد مشروع «الأردن الكبير» التذكير بمصير مشروع سورية الكبرى الذي طرحه الأمير عبدالله بن الحسين، أمير شرق الأردن بعد قليل من تنصيبه أميراً على شرق الأردن عام 1921، وتم الإعلان الرسمي عنه عام 1946 مبدأ رسمياً للسياسة الأردنية. وتمثل في صيغتي: مشروع الدولة السورية الموحدة ومشروع تأسيس دولة سورية اتحادية.
فقد فشل مشروع سورية الكبرى، وكان حال وعد ونستون تشرشل الشفهي للأمير عبدالله بن الحسين وتصريح وزير الخارجية البريطاني أنطوني أيدن كحال وعد هنري مكماهون لوالده الحسين بن علي، وليس على شاكلة وعد آرثر بلفور للورد روتشيلد.
ويُعتقد أن الأردن واجه في السنوات 1948 و1967 و1970 أزمات وجودية، لكنها كانت أقل خطورة من «المسألة السورية» الجديدة، المترافقة مع ظروف الأردن السلبية، داخلياً وإقليمياً ودولياً، وبالتالي ومن أجل إنقاذ المملكة الهاشمية، ثمة ضرورة لمشروع «الأردن الكبير»، الذي يشكل تطويراً أو تعبيراً عن ضرورة استمرارية أداء الأردن لوظيفة «الدولة العازلة «BUFFER STATE».
ويدعم هذا الاعتقاد التلويح بوجود ترحيب أميركي وإسرائيلي بفكرة توسُّع الدّور الأردني، وذلك على اعتبار أن الأحداث الحاصلة في المنطقة تُشكِّل فرصة جيواستراتيجية مهمة لضمان أمن مستدام لإسرائيل، وأن «الأردن الكبير» يُمثّل أحد الخيارات الممكنة لتحقيق هذا الأمن.