في الشقيقة مصر، يحتدم هذه الأيام جدال النخب بين الرفض والقبول لمشروع قرار تحت قبة البرلمان المصري، يطالب بحوكمة وإعادة تشكيل هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، وهي بالمناسبة أعلى هيئة دينية في مصر، وأكثر الهيئات نفوذا في خريطة العالم الإسلامي. مشروع القرار البرلماني الجديد ينادي بإدخال عشرة أعضاء من علماء الدنيا في الطب والاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها، إلى منظومة (الأربعين) السابقة التي يتألف منها مجلس هيئة كبار علماء الأزهر، ويكون لهؤلاء العشرة الجدد، حق العضوية المكتملة في المداولة والتصويت على القرارات والفتاوى التي تصدر عن هذه الهيئة الموقرة. تبرير هذا القرار النيابي يكمن في أن علماء الدين بحاجة إلى خبراء ميدان وتجربة في فئة النوازل ومستجدات العصر الحديث. ومن الأمثلة، مستجدات الطب في نقل الأعضاء، والموت الدماغي، وكذلك معاملات المال ومعادلات الاقتصاد، والعلاقة بالآخر، وغيرها من إرهاصات الحياة اليومية في حياة المسلم، التي فاقت مقاييس ثياب الفتوى التقليدية.
شخصيا، أنا مع الاستعانة الكاملة بعلماء الحياة، ومع جلوسهم المباشر على طاولة كبار العلماء، وإن كنت متحفظا جدا على حق هؤلاء في التصويت على القرار والفتوى، لأن الأخيرة توقيع عن رب العالمين لا يستحقه سوى راسخ أصيل في العلم الشرعي.
سأضرب هنا مثالين، في الأول حين تبدو حياتنا في الغالب أسيرة مضطرة لصيرورة وحتمية الاقتراض البنكي، ثم نلجأ إليه بحيل مكشوفة وألاعيب واضحة، لا هدف لها سوى هروب ضمائرنا من تأنيب الربا ونسبة الفوائد.
نشتري السيارات الوهمية أو أطنان الحديد على الورق البنكي، ولكننا لا نغادر باب البنك إلا بسيولة مادية في الحساب، دون أن نشاهد السيارة، أو نلمس قطعة من الحديد، ولا يكاد يخلو بنك واحد من اسم عالم كبير في هيئته الشرعية.
ولكن، وللحق: نحن نريد فتوى شاملة تجمع ما بين عالم الدين وعالم الاقتصاد في هذه النازلة الفقهية، التي لا يكاد يسلم منها أحد بيننا في مشوار حياته. في المثال الثاني خذ في القصة، قضية الحضانة الشرعية: عالم الدين يعيد الأطفال تلقائيا إلى الآباء بالتقريب في سن السابعة، وفي المقابل يقول علماء الاجتماع والنفس في كل جهات الأرض ومجتمعاتها، إن أطفال اليوم سيكونون أكثر إيمانا واستقرارا وأصلب في صحتهم النفسية وتفاعلهم الاجتماعي تحت حضانة الأم حتى البلوغ والرشد، ولا أظن أن عاقلا سيجادل في هذه الحقيقة. ادرسوا معظم حالات العنف ضد الأطفال، لتكتشفوا أن الحضانة التلقائية للأب هي السبب، هي أيضا وعلى مسؤوليتي، سبب لهذا الارتفاع الجنوني في نسبة الطلاق، لأن الذكر يقدم على هذا الفعل مدركا انعدام خسائره، ومنها خسارة أطفاله.
الخلاصة: الفتوى تحتاج آراء خبراء الحياة بمقدار حاجتها إلى توقيع عالم الدين. هذه تعقيدات هذا العصر.