ستجري الانتخابات الرئاسية في إيران هذا العام في 19 مايو القادم في ظروف بالغة الدقة وغير مسبوقة، إن على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، وذلك بعد أن كانت إيران على مدى ما يقارب 12 عاما في حال من الاسترخاء الانتخابي، وتحديدا بعد احتلال العراق عام 2003 واستقرار العلاقات الأميركية الإيرانية، مما ساعد على وصول التيار المتشدد برئاسة محمود أحمدي نجاد 2004 ولولايتين متتاليتين عملت خلالهما إيران على تكثيف تدخلاتها في دول الجوار العربي، وإحداث تغييرات سياسية ونزاعات طائفية وعرقية أوصلت الأمور إلى ما نحن عليه الآن في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان والقضية الفلسطينية.
الأمور الآن تغيرت، ولم تعد إيران في حال من الاسترخاء دون حسيب أو رقيب، وتحديدا منذ عاصفة الحزم في اليمن وقيام التحالف العربي لمواجهة إيران، والذي غيّر كثيرا في الحسابات الإقليمية والدولية، وإلى حد بعيد الحسابات العربية أيضا، إذ أصبحت الدول الكبرى تعتبر دول المنطقة شريكا جديا لها في مواجهة التحديات وفي مقدمتها الإرهاب. هذا بالإضافة إلى تطورات العراق الصادمة لإيران ومعها الدخول الدولي إلى الميدان السوري بعد الذي قاله وزير خارجية روسيا لافروف من أنه لولا التدخل الروسي لكانت دمشق ستسقط خلال أسبوعين على الأكثر، أي أن إيران أيضا فشلت في سورية كما في العراق.
تحدث الرئيس الإيراني روحاني أمام الأجهزة المعنية بإجراء الانتخابات الإيرانية، وقال «لو كانت قواتنا الأمنية أقوى بـ10 مرات وأسلحتنا أكثر 100 مرة، لما كان هناك أمن في إيران إذا حدث صراع ديني أو عرقي داخل المجتمع الإيراني»، وأضاف «علينا أن نتصدى لكل عمل غير قانوني حتى ولو كان من قبل جهة مسلحة».. وأعتقد أن روحاني بهذا الحديث قد افتتح معركته الانتخابية الرئاسية التي تتخذ هذه المرة بعدا مصيريا بالنسبة لازدواجية الدولة والثورة في إيران. وهذا ما أراد روحاني التحذير منه، أي بداية صراع ديني وعرقي داخل المجتمع الإيراني.
بدأ الحرس الإيراني عملية استعراض قوة جديدة أيضا لأسباب انتخابية، وذلك من خلال المناورات التي أجراها في مياه الخليج مهددا السفن الأميركية وإقفال مضيق هرمز والحديث عن تجربة صاروخ كروز محلي الصنع يسمى «نصير». وتزامن ذلك مع حملة مواجهة بالتصريحات بين وزارة المخابرات الإيرانية والحرس الثوري حول عملية أمنية داخلية. هذا بالإضافة إلى الهجوم على إدارة روحاني ووزارة الخارجية واتهامها بالعمل على اتفاقات مع دول الخليج العربي، مما يؤكد أن الانتخابات القادمة في إيران قد تشهد تغييرات كبرى وغير متوقعة.
ستشتد الحملات الانتخابية بين الطرفين، وربما نستطيع من خلالها التعرف أكثر على التكونات الداخلية لإيران، خصوصا بعد الثورة الخضراء 2009 التي تم القضاء عليها ولا تزال رموزها في الإقامة الجبرية، أمثال المرشح الرئاسي مير حسين موسوي والشيخ كروبي وآخرين، بالإضافة إلى التجمعات العرقية كالآزاريين والبلوش والأهواز والكرد وغيرهم من التجمعات الدينية والعرقية، وأيضا البازار الذي خسر شيخه هاشمي رفسنجاني... وربما يظهر مرشحون آخرون رغم تعقيدات قبول الترشيح في إيران.
المؤشرات تقول إن روحاني قد حصل على ضوء أخضر من المرشد للدخول إلى الانتخابات الرئاسية من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حققتها إيران عبر الاتفاق النووي مع الـ5+1، مما شجع روحاني على مواجهة المعترضين على الانفتاح، متهما إياهم بزيادة الأقفال في إيران وحولها تحت شعار «الحفاظ على الأمن». كما ذهب بعيدا في اتهاماته للمحافظين في إيران حين قال إنهم جعلوا الضحك حراما والبكاء حلالا.