نلقبه بـ "العمدة" ولسنا مخطئين، فالأستاذ الصديق محمد صادق دياب عمدة في الصحافة والأدب والتاريخ وعلم النفس، وهو فوق ذلك عمدة في الأخلاق وفي الإنسانية، بل إنني كنت وما زلت أعتبره الواحة الوارفة التي تمد ظلالها على رؤوس المتعبين والمحبطين والمحتاجين للرعاية والتوجيه والتشجيع، وهذه الأخيرة – أقصد التشجيع – تعد علامة فارقة في شخصية (أبوغنوة) والذين زاملوه، والذين عملوا معه في مختلف مراحل عمله ومواقعه ومناصبه الصحفية والثقافية يعرفون عنه هذه الميزة التي يدعمها بسعة صدر لا تضاهى ووعي عميق بقدرات الناس وقدرة فذة على شحذ وتطوير تلك القدرات بطريقة إيحائية لا يشعر معها الآخر بقصدية توجيه ولا يحس بغضاضة في عرض ما لديه بحرية وأريحية، وهذا ما جعله منجما لاكتشاف وتأهيل كثير من الكفاءات الصحفية التي كانت مغمورة إلى أن قادها القدر إلى حديقة العمدة فتفتحت أزهار مواهبها على يديه وانطلقت تنشر أريجها في فضاءات الصحافة معترفة بفضله، مدينة لأستاذيته الراقية بالنجاح.
ولست هنا بصدد استعراض تاريخ النجاح المهني والتألق الثقافي الذي رافق الزميل العزيز في كل خطواته المهنية، فذلك تاريخ حافل وطويل ومترع بكل ما يثلج الصدر، لكنني فقط أردت أن أشير إلى تأثر الأستاذ – العمدة – بما كانت تقوم به شجيرات – النيم – التي كانت أول ما لفت نظره أيام طفولته وهي تقي المتعبين حرارة الشمس بظلالها وتحميهم من لفح الهجير بأغصانها الممتدة، فتكرست الصورة في ذهنه حتى أصبحت حياته كلها حديقة وارفة الظلال تفتح ذراعيها لاحتضان المتعبين والمجروحين.. تواسيهم وتمنحهم الحب والتقدير والحنان، وتشحنهم بطاقات الصبر وتشجعهم على اجتراح الصعود في مدارج الحياة المتألقة بقوة الإرادة ومتانة الإيمان، وهي ذات الوقود الذي يبثه أصدقاء وزملاء وتلاميذ الأستاذ محمد دياب في مسامعه وأمام عينيه اليوم وهو يخوض تجربته الأليمة مع المرض، معززين ذلك بثقة متناهية أن إرادة وإيمان (أبوغنوة) سيحققان له النصر على الخبيث، وهو نصر بدأت تباشير تحقيقه تلوح في ضحكات العمدة التي تسعد كل من يتحدث إليه وفي همسات كلماته التي قوبلت باحتفالية إنترنتية عندما عادت إلى قرائه في – الشرق الأوسط – يوم الأحد الماضي.
لست الصديق الوحيد الذي يحب العمدة ويحتفظ له بأنبل المواقف وأجمل الذكريات في الحضر والسفر، فأصدقاؤه المحبون كثر في كل مكان ومن مختلف الأطياف والفئات، بل قدرته في أنسنة الأشياء واحتفاؤه بها تجعلني أزعم أن حتى رواشين جدة القديمة وأزقتها العتيقة عقدت معه أجمل صداقة وتحتفظ له بذكريات نبيلة وتتوق إلى لقياه بشوق جارف، لكن بين كل هؤلاء الأصدقاء تطل قامة العزيز الشاعر الفذ عبدالمحسن حليت مسلم الذي يرافق العمدة الآن في مهجره الاستشفائي في لندن، ضاربا بذلك مثالا نادرا في النبل والتضحية في سبيل مؤازرة ومؤانسة صديق يحتاج في ضيقه مؤازرا قريبا ومؤنسا خفيف روح، وهذا ما حدث، فقد أكد عبدالمحسن بصورة عملية ما نردده نظريا في أمثالنا (الصديق وقت الضيق)، ولا شك أن كليهما نعم الصديق.