من العناوين التي نقرؤها كل يوم في الصحف عنوان مثل «سمو أمير المنطقة الفلانية يوجّه مديري الأجهزة الحكومية بسرعة إنجاز معاملات المواطنين».
أكاد أجزم أن هذه الأخبار تخرج من مديري أقسام في إمارات المناطق، أو من مراسلين صحفيين، وأن أمير الإمارة ليس له علم بها.
فهذه الصياغة توحي بأن من يوجّه بسرعة الإنجاز، يمكنه أن يوجه ببطء الإنجاز أو على الأقل يعلم عنه.
وإيحاء آخر، هو أن استمرار الإدارات في بطء إنجاز معاملات المواطنين يدل على أن توجيهات أمير المنطقة المعنية وصلت إلى الصحف ولم تصل إليهم.
عندنا في محافظة الأحد، ضجّ الناس بالشكوى من سوء الطرق التي تنجزها البلدية ثم تحفرها الخدمات الأخرى، ثم تستلم مستحقاتها دون أن تعيد الأسفلت المغشوش إلى حالته الأولى، بل زادت عليه شقوقا وحفرا وأخاديد تجعل السير عليه عملية تشبه ألعاب السيرك الخطرة.
سمعنا أن سمو أمير المنطقة وجّه بإصلاح الخرائب في مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، وقامت البلدية باستدعاء المؤسسات التي حفرت الطرق لإصلاح ما خربته، وانتهت الأشهر الثلاثة ولا يوجد أي أثر للإصلاح.
بالنسبة لنا في جازان، فنحن نقيس مؤشر الإنجازات بمشاريع ماثلة للعيان، أهمها مشروع كوبري دوار التوحيد الذي توقف العمل فيه وسحبت الشركات العاملة فيه معداتها وبقي مثل «المفطح» جاثما على الطريق بلا أطراف ولا نهايات، ويقال إن المنفذين اكتشفوا خللا في تصميم المشروع، إذ ليس فيه منفذ يؤدي إلى المطار، وهو المنفذ الأساس الذي صمم المشروع من أجله.
أما المؤشر الثاني، فلكل محافظة مؤشرها الخاص، نحن في محافظة الأحد لدينا مؤشرنا، وهو شارع الأحد الغصينية، شارع الشهيد عبده حنتول، ثم شارع الأمير سلمان لاحقا، ثم صار بلا اسم، هذا الشارع أصابته عين أو عُمِلَ له عمل....، فقد تمت سفلتته ثم تم اقتلاعها، وإعادتها وخرابها، حتى اضطر الناس للسير في جهة منه والاستغناء عن الأخرى، معتمدين على سعة صدورهم وسعة صدر المرور.
فجأةً، حطت البلدية معداتها فيه وأغلقت جهة منه وقامت بسفلتة نصفها فقط وتركت الأخرى، ثم أعادت غلق الاتجاه كله وما يزال كذلك.
بالطبع، ليس هذا الشارع وحده أصابته العين واللعنة، فهناك غيره أسوأ منه. ورجاء لا أحد يسألني عما صار بشأن المهندسين والموظفين والمسؤولين الذين سلموا واستلموا!.
المؤشر العام الثالث، هو حركة المعاملات في الدوائر الحكومية. إذا كنت مواطنا عاديا «ليست لك واسطة ولا تملك مفاتيح لذلك» في جازان، وأردت الحصول على خدمة كالكهرباء، فلا تظن أنك ستحصل على خدمة الكهرباء في أقل من سنة كاملة، قابلة للزيادة سنتين وثلاث وأربع.
وإذا كنت مواطنا عاديا «كذلك» وتريد أن تحصل على حجة استحكام على أرضك السكنية أو الزراعية، فأنت دخلت في بحر الظلمات وفي دهاليز لا أول لها ولا آخر، تتدافعك موجات الأجهزة الحكومية من موجة إلى موجة، وأنت حسب قدرتك على التزلج فوق الأمواج، إذا أسعفتك صحتك والعمر، فقد يرث عيالك منك الملف إياه ليكملوا ما بدأته أنت.
قال لي بعض العارفين، إنه من السهل عليك الحصول على حجة استحكام إذا أغفلت كل أوراق بيعك وشرائك للأرض، وقلت للمحكمة إن الأرض دخلت عليك بالإحياء وستجد من يشهد لك، فهذا قد يختصر لك المدة إلى سنتين تقريبا.
أنا أتحدث عن أرض تملكها أنت أبا عن جد عن جدود، ولم أتحدث عن «منحة» تقدمت للحصول عليها من الجهة المعنية، فالمنحة سيستلمها أحد أحفادك، هذا إذا حصلت عليها فعلا.
لقد نشأت سوق لوكلاء استخراج حجج الاستحكام، وهؤلاء الوكلاء يطلبون غالبا ربع الأرض المتقدم بها إما عيْناً أو بربع ثمنها، وهذا المبلغ لا يتوافر لـ«المواطن العادي»، وهؤلاء الوكلاء يتحججون بأنهم يدفعون هنا وهناك، ولهذا ولذاك، ثم أتعابهم هم، وصاروا يعرفون المفاتيح ويتجهون إليها مباشرة ولا يبوحون بها لك، ولهذا فمن الطبيعي أن نرى حجج استحكام تخرج بسرعة لأن وراءها «مواطنا غير عادي أو وكيل غير عادي».
هذه المسائل في انتظار التوجيهات.