كان أحد كتّاب الرواية المشهورين لا يحكي لأبنائه قصصا قبل النوم، بل يطلب منهم أن يحكوا له القصص حتى يناموا، يعترف هذا الكاتب بأنه كان يستمد بعض أفكاره من مخيلة أطفاله. إن الطفل بطبيعته ذو خيال واسع، وعندما يقرأ قصةً ما فهو يعيش الرواية بأبطالها وأحداثها ويمنحها بصوته الطفولي العذب وحركاته العفوية أبعادا أكثر جمالا وعمقا. ولا يوجد منظر أجمل من أن يغفو طفل وبيده كتاب.

إن القراءة مهارة للحياة، يتعلمها الطفل عادةً في المدرسة، ويتشرب محبتها من خلال التشجيع والممارسة والقدوة في المنزل والمدرسة. عندما يكبر الطفل في بيتٍ يألف الكتب ويقتنيها ويقرأها سينشأ قارئا نهما لا يكتفي من الكتب.

يوافق اليوم، الثاني من مارس من كل عام احتفاء مدارس بريطانيا بيوم الكتاب. في هذا اليوم من كل عام يرتدي الأولاد والبنات أزياء شخصياتهم المفضلة، ويشاركون في أنشطة مدرسية عدة، منها نشاط مبادلة الكتب، حيث يحضرون كتبهم التي قرأوها ويرغبون بمبادلتها مع كتب قرأها أصدقاؤهم للمدرسة، أو ربما يقومون ببيعها بسعر رمزي من خلال نشاط خاص بذلك، كما يمكنهم التبرع بها لمكتبة المدرسة أو مكتبة الحي. خلال اليوم كذلك يقوم المعلمون والطلاب باختيار الزي الأفضل من كل فئة عمرية لتشجيع الطلاب على ابتكار شخصياتهم المفضلة والحديث عنها، وتمثيل بعض أدوارها، فهذا يزهو بزي هاري بوتر وتلك تقلّد صوت إلسا أو سندريلا. من الأنشطة كذلك التعريف بأحد الكتّاب وبكتبهم مثل Dr. Suess أو Roald Dahl وغيرهما ممن أبدعوا في مجال قصة الطفل. تستعد المدارس مبكرا لهذا الحدث السنوي من خلال أنشطة القراءة والتلخيص المستمرة، وبتشجيع الطلاب حتى نهاية المرحلة الابتدائية، على قضاء ما لا يقل عن نصف ساعة يوميا في القراءة الحرة.

يحتفظ الطالب بسجل يدوي للكتب التي قرأها كما يوجد كذلك برنامج على الشبكة العنكبوتية يرتبط بمعلم الطفل أو معلمته، ويستطيع الطفل والوالدان بواسطته متابعة القراءة في المنزل، ومعرفة مستوى الاستيعاب عند الطفل من خلال اختبارات قصيرة. وكلما انتقل الطفل إلى مستوى أعلى يحصل على شهادة إنجاز من هذا الموقع تطبعها له المدرسة أو يطبعها من المنزل إذا أراد. يقوم المعلمون كذلك باكتشاف الأطفال الذين يجيدون الكتابة ويعززون فيهم هذه الملكة، بأن يطلبوا منهم إعادة كتابة بعض القصص المعروفة، ووضع نهايات جديدة ومبتكرة لها. والنتيجة برنامج متكامل ومستمر لتعزيز محبة المهارات اللغوية والقراءة تحديدا، وربطها بأحداث وأنشطة سعيدة يومية وشهرية وسنوية. عمل إبداعي متكامل اجتمعت فيه الخطة الواضحة والهدف الواضح والسياسات الواضحة المثمرة والمستدامة وغير المكلّـفة. هذا الاحتفاء بالقراءة والكتابة هو من التدخل الحميد للمدارس في تشكيل عادة القراءة وتعزيز مهارة الكتابة، فالكاتب الجيد لا بد أن يكون أولًا قارئًا جيدًا. المدارس هنا هي مصانع العادات الجيدة، ولكنها لا تعمل منفردة، بل تعمل كذلك مع مكتبات الحي التي تعتمد منهجا واضحا يزيّن المدخل في كل مكتبة، تجارية كانت أو حكومية (قارئ اليوم هو قائد الغد)، لكن لعل الحديث عن قوة المكتبات يستحق مقالة منفردة.