نعيش وسط ازدواجية للتعريف بهويتنا الخاصة، إننا نحاول أن نختار لنا شكلا بلا عوارض جانبية، نسعى للركض من دون هوادة «أحيانا» للوصول إلى قمة طموحاتنا وعرض آمالنا القادمة التي نريد أن نكون عليها، حتى الآن يمكنني القول بأننا لسنا في منطقة محددة، إنما نحن نبدأ في الضياع منذ البداية الأولى، ونسعى لأن نكمل هذا الضياع بالتساوي مع مقدار ما نخسره من أرواح أفكارنا للمستقبل، نريد أن نتغير، لكننا للأسف لا نتغير بما يكفي نحو الصواب، والبعض يصفق لهذا التغيير على اعتبار أن البدايات دائما مخجلة، وأن علينا ألا نستحي من إمتاعنا من الهبوط والتعثر، لأننا حتما سنطير يوما ما إلى الآفاق.
لدي ملاحظة حول أننا جميعا، لا نريد أن نبلغ الكمال منذ السطر الأول، منذ التكوين البدائي، منذ اللحظة التي نطل بها إلى العالم، ما زلنا متكورين نحو نمو الطفل الذي عليه أن يتعلم المشي بعد السقوط لمئة مرة على الأرض، رغم أن التطور لا يمكن أن يقاس بتاريخ الفتى ما إن ولد، وبالذات في الوقت الحالي الذي أصبح فيه الخطأ يعادل عشرات المرات من الأخطاء في القرن الماضي. نحن متميزون بابتكار التبريرات الخفية والعلنية، لذا عليّ أن أنصت للأقاويل التي سيطرحها ويلقيها القراء كموعظة لي، وبأنني لربما أكون كاتبة فضولية وامرأة غاضبة وغيورة، ولكني بالتأكيد عكس ذلك كله، المنظور الذي أمامي يجعلني أكون بعيدة تماما عن أي اتهامات ممكن أن تكال لي، فأنا أرفض كامرأة مثقفة وواعية، عدم فهم البعض لمعنى الانفتاح وكيفية التعامل مع الطرف الآخر، وفي النهاية نحن نحتاج إلى النضج مبكرا، وحتى لا نخرج من باب هذا العالم بخفي حنين.
بالتأكيد لا يوجد أحد يعترض على المبادرات العديدة التي يقدمها الشباب من الجنسين تجاه العمل التطوعي، وعلى الأخص في المعارض والاحتفالات العامة والخاصة، لا يمكن لك ألا تتباهى بهمة الشباب وهم يقدمون أوقاتهم لمساعدة المنظمين وأصحاب الشركات والمؤسسات الحكومية أم الخاصة، ومعاونتهم من دون كسب أي أجر مادي سوى بشهادة تطبع بريالات تكريما على إسهامهم في المبادرات التطوعية لخدمة مجتمعهم، لا يمكن لنا أن نغفل عن عطائهم اللامحدود، ولكن هناك فرق بين أن تكون متطوعا لخدمة مجتمعك، وبين أن تكون متطوعا لإقامة علاقات عاطفية تشاهدها علنا أمامك، هناك قيم للمجتمع علينا احترامها، ولا يعني ذلك حينما أقدم خدمة مجانية أن ذلك سيسهل لي أن أتعامل مع الطرف الآخر وكأنني في بلاد «الفرنجة»، لا يمكن أن تحبطني أيها المتطوع بوقتك وجهدك بأن تعتقد أن عملك لكونه من دون أجر، فهذا سيسمح للمجتمع بأن ينظر إليك نظرة مختلفة، وبأنك بعيد تمام البعد عن النقد أو أنه لا يمكن المساس بك.
أحدهم نشر مقطعا مصورا وهو يتحدث مع زميلته المتطوعة في أحد المهرجانات، وبطريقة لا لبس فيها ولا اتهام تعني «المغازلة» على الهواء مباشرة، لا يمكن لي أو لغيري تسميتها بغير ذلك، أول المشاعر التي ستصل إليك بأن الشاب يظن نفسه خارج دائرة المحاسبة أو التقويم، فهل يمكن أن يختلف مفهوم وأهداف التطوع إذا ما كان بأجر عنه إن لم يتسلم المتطوع أجرا سوى اكتفائه بتعدد العلاقات مع زميلاته أو العكس، ولا يمكن لي لوم الشاب فقط، فالعتب يقع على الجنسين من دون مجاملة أحد الأطراف! نحن مجتمع لا يزال لا يفهم معنى الضبط والنظام في العمل، إلى الآن الكثيرون منا يختلفون في إدراك معنى الضوابط السلوكية والأخلاقية أثناء أداء مهام الأعمال، هؤلاء الشباب الفتية يقفون أمام انفتاح آخر، مختلف تماما عن البيئة التي قدموا منها، ما إن يفتح المجال لديهم للعمل وبشكل مباشر مع الجمهور، وعلى الرغم من نجاحهم الملحوظ في حسن التعامل مع الزوار، حتى يفتقدوا تقديم مهاراتهم السلوكية الناضجة فيما بينهم وأمام الملأ و«على عينك يا تاجر»، لا تزال هناك رغبة شديدة من الشباب لمعرفة الطرف الآخر، لفهم محتوى وفكر المرأة، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب تقديم مفهوم مختلف أمام الجمهور.
مراقبة السلوك العام للمتطوعين من الجنسين فيما بعضهم البعض أمام الملأ، من تصوير مقاطع الفيديو، ومغازلة علنية، تتحول في بعض الأحيان إلى «سماجة»، ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار، لا نريد أن نضع أبناءنا وبناتنا في أقفاص لمنعهم من حدوث الخطأ، ولكن ينبغي علينا أن نستثمرهم بطريقة أفضل من الاستفادة فقط من رغبتهم في العمل من دون أجر، العديد من المتطوعين يعمل لساعات طويلة، ولا يجني على ذلك سوى كلمة «شكرا» في نهاية المهرجان أو المعرض الذي شارك به، ولكن يبدو أن الشغف العصري العاطفي والهوس به لا يزال يسعى بشكل غير اعتيادي لعرقلة خطواتنا في التقدم إلى الأمام بالطريقة التي يجب أن نلتزم بها.