لو يُعطى الناس بدعواهم، دون بيِّنة وبرهان، لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولقال من شاء ما شاء، سواء تحت شعار: (سمعت الناس يقولون شيئا فقلتُه)، أو: (منقول)، أو (كما وردني)، أو غيره ذلك، لكن تلك الأقوال والدعاوى المنتشرة -لا سيما عبر وسائل التواصل- تذهب جفاءً عند قولك للذي أرسلها أو ادَّعاها: (أين البينة التي تثبت صحة ما أرسلت أو ادعيت؟).
وفي هذه الأيام انتشرت عبر بعض وسائل التواصل دعوى وجود شعرات النبي، عليه الصلاة والسلام، قلت لأحد مرسلي هذا الخبر، ما الدليل اليقيني أن ذلك من شعرات النبي عليه الصلاة والسلام؟
فقال: الدليل اليقيني دونه خرط القتاد، ولكن الناس يتناقلون هذا الخبر ويقولونه، فقلت: مسائل الشريعة لا تُبنى على (يقولونه)، ومجرد تناقل الناس لخبر ما ليس دليلا على صحته، فالناقل يُطالَب بتصحيح نقله، والمدعي يُطالَب بالدليل على دعواه، وإذا كان التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، معمولاً به في عهده -صلى الله عليه وسلم- مثل ماء وضوئه، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره، وكان عند أم سلمة -رضي الله عنها- جلجل فيه شعر من شعرات النبي عليه الصلاة والسلام، ثم اندثر ذلك، فإنه لا يُعلم الآن وجود شيء من ذلك على وجه اليقين.
قال الألباني رحمه الله: (ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم، من ثياب، أو شعر، أو فضلات، قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين).
وإذا كان ذلك لم يثبت، فعلينا بالثابت وهو طاعة النبي، عليه الصلاة والسلام، والتأسي به، والاهتداء بهديه، فنُصدقه عليه الصلاة والسلام فيما أخبر، ونطيعه فيما أمر، ونجتنب ما عنه نهى وزجر، ولا نعبد الله إلا بما شرع، ففي ذلك الكفاية والبركة والسعادة.
وكثير من الناس اليوم يتهافتون على ما لم يثبت عن النبي، عليه الصلاة والسلام، ويجدون نشاطا وتعاطفا وميلا إليه، وربما يتكاسلون عن سنته الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام.
وما كان السلف الصالح يلتفتون لغير ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام.
فقد بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي، عليه الصلاة والسلام، فأمر بها فقُطعت. رواه ابن أبي شيبة في المصنف.
وهذا يدل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا يهتمون بآثار قدم أو منزل أو مبرك ناقة ونحو ذلك.
ومن كان ناصحا لله ولرسوله وللناس، فَلْيَدْعُ إلى اتباع سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- الثابتة بالسند الصحيح، وليعرض عن الدعاوى والأوهام التي ليس عليها دليل ولا برهان، حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك، وخشية من إضلال الناس بغير علم.