يفيد الخبر الذي نشر في العديد من وسائل الإعلام بأن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى قال في ورشة عمل مناهج المدارس العالمية، التي عقدت بمقر الوزارة إن المدارس الحكومية باتت تفتقر للمعلمين الحقيقيين، وإن التعليم لدينا يقتصر فقط على تلقين الطلاب، وإنه من خلال تفقده مؤخرا عددا من المدارس الحكومية وقف على العديد من الملاحظات السلبية التي تؤكد أن هناك طريقا طويلا لتطوير التعليم وتدريب المعلمين والمعلمات..!

ولا شك أن ثمة وقفات هادئة ومبررة ومنهجية مع ذلك التصريح القولي (المهول) لمعالي الوزير و(الذي يصد ويرد بسهولة بالغة) بكل تأكيد!

فافتقار المدارس الحكومية للمعلمين الحقيقيين، هو رأي مفعم بتعميم انطباعي فج، يرفضه المنطق والعقل، ليكون بهذه الصياغة من قبيل التنصل من مشاكل حقيقية، بإلقاء اللوم كله على طرف مأمون الجانب و(مضمون) في الاستجابة الصامتة!

وإذا كانت الأشياء تعرف بنقائضها فلكم أن تقارنوا بين رؤية معالي وزيرنا بقول وزير التربية والتعليم في دولة الإمارات الشقيقة في إحدى المناسبات الوطنية (1 نوفمبر 2016) حين قال: «إن من أبرز أهداف التعليم، أن تكون الإمارات بين أفضل 15 دولة وفق مؤشر امتحان Timss، باعتبارها الآن في المرتبة 43 عالميا، وأن تكون نسبة المدارس بمعلمين ذوي جودة عالية 100/‏100..»

ولاشك أن حجم المفارقة كبير جدا بين وعي جاد ومنهجي موضوعي، وآخر انطباعي وانفعالي وعشوائي معا!

وما ذهب إليه معالي الوزير العيسى، بأن تعليمنا يقتصر على التلقين، يصيب المتلقي بالصدمة والدهشة من (كون) مناهج النظام (الفصلي) الجديد -مثلا- والتي ترعاها بحماس منقطع النظير وزارة التعليم لدينا، باعتبار أن أهدافها التعليمية تستند على أن يضطلع الطالب ذاته بمهمة التعلم والبحث والاكتشاف، ليظل دور المعلم إشرافيا متابعا لتلك المهمة غير(التلقينية) الجديدة!

أيكون معاليه غائبا عن ذلك النظام الجديد في مدارسنا، والذي تحتم مناهجه وموضوعاته وآلياته ودرجاته التقويمية، على أن يتجاوز المعلم لدينا النظام التقليدي التلقيني، حتى ولو لم يكن مقتنعا -بعد- بذلك التغيير!

وعندما يقول معالي الوزير، إن تفقده مؤخرا عددا من المدارس الحكومية، أفضى به إلى تلك الرؤية السلبية، التي أكدت له طول الطريق المتبقي لإصلاح منظومة التعليم في بلادنا، فإن ذلك القول يفصح عن عمل عشوائي قام به الوزير، يتنافى مع ضروة الاعتماد على منهجيات علمية دقيقة، تقود غالبا لمثل تلك الأحكام القوية الصارمة، بدلا من الارتهان لزيارات مفاجئة عشوائية لبعض المدارس!

ولا شك أن المرء يعجب أشد العجب من قائد لمؤسستنا التعليمية وهو الأكاديمي والباحث والمتمرس التعليمي والتربوي، يقع في (فخ) العجلة والانفعال والتنظير العاطفي بكل تلك السهولة، وإلى هذا الحد..!

وعندما نعود لمسألة النقائض المعرفة للأشياء، نجد الوزير ذاته في الشأن التعليمي ذاته والبيئة المناطقية ذاتها (وزير التعليم في الإمارات الشقيقة)، يقول بلغة علمية متزنة في صدد حديثه عن ترتيب رواتب معلمي الدولة لديهم على مستوى العالم: «إن هذا الترتيب صادر عن دراسة محايدة، أعدها البنك الدولي مؤخرا، ومختص بالتعليم في العالم كله، داعيا إلى الاستناد على التقارير الرسمية المعتمدة عالميا وعلميا عند الحديث عن التعليم وشؤونه..»! ثم يتحدث الوزير نفسه عن البنية التحتية للمدارس لديهم في الإمارات، ويؤكد أنها مؤهلة تماما لتطبيق برامج التعليم الذكي والإلكتروني! هل ترون معي حجم المفارقة، أقصد فارق المنطق والاهتمامات والمبررات والاستشرافات؟!

وبعد، فإن ما ذهب إليه وزيرنا الدكتور العيسى، بكون المدارس العالمية في بلادنا أحدثت نقلة نوعية في التعليم بالمملكة، نظرا لجودة مخرجاتها (مما جعل الكثير من المواطنين يقبلون عليها)، يتماهى ويطابق ما كان يردده معاليه قبل استلام حقيبة وزارة التعليم، فلا جديد إذن في الموضوع!، ولكن الجديد كنا ننتظره نحن منه بفارغ الجد والصبر، من أجل مدارس حكومية يتوفر لها ما توفر للمدارس العالمية من إمكانات واهتمامات وجهود؟

ولكن ذلك لم يحدث! والذي كان يحدث هو استمرار احتفاء معالي الوزير بتلك المدارس العالمية على حساب المدارس الحكومية المغلوبة على أمرها وعلى حساب معلميها غير الحقيقيين (في نظر معاليه)!

ولعل الكثير من المفاجآت في هذا المشهد التعليمي/‏العالمي المصاغ من خلال وعي الدكتور العيسى، سأقاربه في اللقاء القادم مباشرة بإذن الله.