حفلت الفترة الماضية بتزايد الضغوط على إيران من عدة جهات، كان أبرزها تأكيد الولايات المتحدة عزمها المضي في سياسة التصدي لتجاوزات طهران، وشروع الكونجرس في إعداد حزمة عقوبات جديدة، كشفت مصادر في البيت الأبيض أنها ستكون غير تقليدية، وجاء مؤتمر ميونيخ للأمن ليؤكد حقيقة العزلة التي يعيشها نظام الولي الفقيه، حيث اتفق كافة زعماء العالم ومسؤوليه على مسؤولية طهران عن استشراء حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتنامي تنظيم داعش، واستمرار الأزمة الإنسانية في سورية، وتواصل حالة الصراع والاستقطاب في العراق، إضافة إلى استمرار تهريب الأسلحة لجماعة الحوثيين الانقلابية في اليمن.
قبيل ذلك بدأ الفتور يعتري علاقات روسيا وإيران، بعد أن أفصحت طهران عن خططها الرامية لإطالة أمد الأزمة في سورية، تحقيقا لمصالحها الخاصة، واشترطت بقاء الأسد على رأس النظام، عند بحث أي صيغة للحل، وكأنها نصبت نفسها وصية على الآخرين، تحدد لهم أشكال حكوماتهم وأسماء رؤسائهم. ووجدت روسيا -التي تواجه ضغوطا دولية متزايدة بسبب استمرار الأزمة السورية- أن مقاصد إيران الطائفية لا تتفق مع مصالحها التي تقتضي وضع حد للأزمة، لأجل البحث عن تحقيق مصالحها مع الإدارة الأميركية الجديدة، التي بدأت بدورها تبحث عن طرق لاستعادة نفوذها في الشرق الأوسط.
غير بعيد عن ذلك باتت إيران على أعتاب مواجهة مع تركيا التي استطاعت التوصل إلى تفاهمات كبيرة مع روسيا، وأنجزت قدرا كبيرا من التقارب مع إدارة دونالد ترمب، وحققت قواتها تقدما كبيرا في سبيل استرداد مدينة الباب الإستراتيجية من الدواعش، وباتت قواتها على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربة قوية للمتشددين وطردهم من عاصمتهم المفترضة في الرقة.
لتخفيف ذلك الضغط المتزايد، لجأ النظام الإيراني كعادته إلى محاولة مخاطبة عواطف العامة والبسطاء، عبر افتعال توتر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فأوعزت إلى عميلها اللبناني، حزب الله، بافتعال مناوشات في الحدود، لإيهام الرأي العام الإسلامي بأنها في صلب مواجهة سلطة الاحتلال الإسرائيلي الغاصبة، وهذه حيلة عفا عليها الزمن، ولم تعد ذات جدوى لتضليل العوام، فالنظام الإيراني بات مكشوفا، والكل يعلم أنه لا يهتم إلا بتحقيق أهدافه الطائفية، وليس في أجندته ولا قدرته تقديم أي تضحيات لأجل القضية الفلسطينية.
فلسطين قضية العرب والمسلمين الرئيسية، والوقائع تشير إلى الدول التي وقفت مع أبنائها، ودعمتهم ماديا وسياسيا، وأسهمت في إعمار ما دمرته غارات الجيش الإسرائيلي، ووفرت لهم الدعم السياسي في الأمم المتحدة، وسائر منظمات المجتمع الدولي، وسعت إلى توحيد صفوفهم، وفي ذات الوقت تفضح من اكتفى في دعمه بالخطب والكلمات التي ما حررت أرضا ولا أقامت منشأة ولم توفر دواء ولا غذاء، وتشير بوضوح إلى من بنى مواقفه على زيادة خلافات الفلسطينيين الداخلية.
لم يتوان نظام طهران عن تجربة أسلوب آخر من أساليب الخداع التي أدمنها، بزعم الرغبة في تحسين العلاقات مع دول الخليج على وجه الخصوص، والدول العربية عموما، فسارع رئيسه حسن روحاني إلى زيارة عمان والكويت، وهي محاولة مكشوفة الدافع، لأنه رفض بالأمس القريب المبادرة التي تقدمت بها الدول الخليجية، وحملها رئيس وزراء الكويت في زيارته لطهران التي لم يكلف مسؤولوها أنفسهم مهمة الرد على أسئلة الصحفيين حول تلك المبادرة، ونفوا حتى وجودها، وزعموا أن زيارة الوزير الكويتي كانت تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
لذلك جاء رد وزير الخارجية، عادل الجبير سريعا وحاسما وقاطعا، عندما أكد في مؤتمر ميونيخ أن إيران هي أكبر راع للإرهاب في العالم، وأنه لا سبيل أمامها للعودة إلى المجتمع الدولي إلا برفع يدها عن التدخل في شؤون دول الشرق الأوسط، وسحب قواتها من سورية، ووقف تهريب الأسلحة لميليشيات الحوثيين، مشددا على أن العبرة بالأفعال، لا الأقوال.
ومن المفارقات أن إيران التي تشغل بالها بمشكلات الآخرين، وتصدر الإرهاب وأدوات الموت لدول المنطقة، وتشجع الأقليات على التمرد والخروج على دولهم، تعاني داخليا مشكلات أكبر من أن تحصى، فانتفاضة عرب الأحواز تضطرم لنيل مطالبهم، ومعدلات الفقر وصلت عندهم لمستويات غير مسبوقة، وهم الذين تشارك منطقتهم بما يتجاوز 70%من ميزانية إيران. والأمراض المهلكة كالسرطان تنتشر بين مواطنيهم بما يفوق المعدلات العالمية بأضعاف مضاعفة. وليت النظام الخارج على القانون اكتفى بذلك، بل أقدم على تحويل مجاري الأنهار الطبيعية لمسارات جديدة، وحرم منها سكان الأحواز، وكأنهم لا يستحقون حتى شرب المياه التي أفاء بها الله عليهم.
الضغط على طهران يتزايد، والعالم وصل مرحلة شبه الإجماع على وجوب التصدي لتجاوزاتها وخرقها للقانون الدولي، وتسببها في انتشار المشكلات في كل دول العالم، والأزمات الاقتصادية تلاحقها من كل حدب وصوب. والمعارضة تشدد من حصارها ونشاطها الخارجي، والوضع الداخلي في كل المحافظات والمدن وصل مرحلة الغليان، لذلك بدأ النظام في البحث عن طوق نجاة، فحاول تهدئة الوضع الداخلي، وقام رئيسه روحاني بزيارة مناطق الأحواز الذين لقنوه درسا قاسيا عندما رفضوا حتى مقابلته، وتحدوا سلطات القهر والإرهاب، كما لم تحقق زيارته للكويت وسلطنة عمان أيا من أهدافها، وتمسك العرب بضرورة وقف طهران تدخلاتها السالبة في شؤونهم، وبمزيد من تشديد الضغط والحصار، سيذهب هذا النظام، غير مأسوف عليه، وسترتاح البشرية أجمع من أسوأ نظام عرفته على مدار تاريخها.
الحل واضح أمام ساسة طهران، والطريق وحيد، لا ثاني له، إما العودة إلى صفوف المجتمع الدولي، كعنصر استقرار وبناء، ووقف إشاعة الفوضى في العالم والتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط، والتخلي عن أوهام تصدير الثورة للآخرين، على أن يكون ذلك علنا، وفعلا لا قولا كما قال الجبير، أو السير في ذات الطريق الخاطئ، ومواجهة المجتمع الدولي، وافتعال الأزمات والمشاكل، وهو خيار لن يكون في صالحهم بكل تأكيد.