تناقضت التصريحات المنسوبة إلى وزارة التعليم ما بين طرفي نقيض حول مواردها البشرية من المعلمين والمعلمات، فتارة نجد تصريحات تشير إلى وجود عجز في الموارد البشرية من المعلمين، والذي تطلب منح مديري التعليم صلاحية دمج المدارس الصغيرة والمتقاربة لسد عجز المعلمين، وذلك بالإشارة إلى التصريح المنسوب إلى مصدر مسؤول وقيادي رفيع في الوزارة بتاريخ
21/ 8/ 2016، والذي تم تبريره في 14/ 2/ 2017 بأن ذلك العجز إنما هو نتيجة توزيع الوظائف على المعلمين، ما بين الإشراف التربوي والإدارة المدرسية وغيرها.
أما الفائض ففي أعداد المعلمين والذي تداولته وسائل الإعلام المختلفة لتصريحات من مصادر مسؤولة وقيادية كذلك في الوزارة بتاريخ
13/ 2/ 2017، والتي تفيد بأن هناك فائضا في مخرجات المعلمين، بما يقتضي ترشيد أعداد المقبولين في كليات التربية التي تشكل مخرجاتها عبئا إضافيا على الوزارة في إيجاد وظائف لهم، وذلك بما يتوافق مع المعدل الوارد في تقرير التنمية البشرية الدولي حول مؤشر الإنجازات في التعليم على مستوى دول العالم والذي يشير في تقريره لعام 2015، بأن معدل التلاميذ للمعلم الواحد في «المرحلة الابتدائية» يصل إلى (10 طلاب لكل معلم) في المملكة العربية السعودية، وذلك للسنوات من 2008- 2014 (وليس 9 كما جاء تصريح مسؤول الوزارة)، وبما يشير إلى معدل متدنٍّ مقارنة مع المعدل العالمي الذي يبلغ (25 طالبا لكل معلم كما تشير الوزارة)، وقد تم تبرير ذلك بأن الواقع الميداني يتطلب مراجعة وتصحيحا للمعدلات وإعادة هيكلة للموارد البشرية من المعلمين، بالإضافة إلى أن ذلك الفائض هو في بعض التخصصات وفي بعض المناطق والمحافظات التعليمية، بينما شرح تارة أخرى بأن ذلك المعدل لم يأخذ في الاعتبار الوظائف الإشرافية المدرسية والإدارية للمعلمين، بمعنى أن هؤلاء تم احتساب بعضهم كمعلمين في الميدان وهم ليسوا كذلك، مما أدى إلى ارتفاع عدد المعلمين وما يترتب عليه من انخفاض معدل الطلاب إلى كل معلم.
حيث إن المملكة بفضل من الله ثم بجهود وطنية دؤوبة، تم تصنيفها في الترتيب (39) ضمن مرتبة دول التنمية البشرية المرتفعة جدا في تقرير التنمية البشرية لعام 2015، وذلك بناء على مؤشرات ومعايير دولية يستند عليها التقرير الدولي، وبذلك تكون ثاني دولة عربية بعد قطر التي احتلت الترتيب (32) بين دول تلك المجموعة من الدول، فإنه يجدر بنا تبعا لذلك أن نشير إلى معدلات الطلبة إلى كل معلم في بعض من الدول المتقدمة التي تم تصنيفها في صدارة مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا مثل الولايات المتحدة وفنلندا، وذلك بواقع (14 طالبا لكل معلم) وكوريا وبريطانيا وفرنسا بواقع (18 طالبا)، واليابان وسنغافورة (17 طالبا).
وفي ظل ذلك التناقض في التصريحات التي يشوبها التشويش، والتي لا نجدها على أرض الواقع الفعلي، سواء في عدد الطلاب (10 لكل معلم) والتي لا نجد مثلها إلا في بعض القرى، أو في الفائض من المعلمين، في حين يشكو الكثير من المعلمين من ارتفاع نصيبهم التدريسي ومسؤوليات تكاليفهم الأخرى، والتي أثارت الكثير من الجدل والتذمر بين آلاف المتضررين من الخريجين والخريجات الذين ينتظرون فرصهم الوظيفية، سواء في التعليم أو غيره، فإنه يشير مصدر مسؤول في وزارة الخدمة المدنية بتاريخ 21/ 2/ 2017، إلى أن لائحة الوظائف التعليمية المعمول بها حاليا تعود إلى 35 عاما، وأنها كانت مُلبية للظروف آنذاك، والتي من أهمها انخفاض عدد المعلمين السعوديين مقارنة بغير السعوديين، وأن تلك اللائحة تعتبر الآن غير مُلبية لمتطلبات الظروف المعاصرة، وأن اللائحة الجديدة ستحقق مطلب الوظيفة والموظف.
حيث إن المؤهل المطلوب للمعلم اليوم هو البكالوريوس بتخصصاته المختلفة، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أكبر نسبة في معدل البطالة بين السعوديين هم من خريجي مؤهل «البكالوريوس» والذي سجل نسبة (76%) من جملة المتعطلين السعوديين من حاملي المؤهلات الأخرى، وتبعا لذلك فهل يمكن أن يدوم تطبيق لائحة الوظائف التعليمية لنحو 35 عاما بجميع ما يكتنف تلك السنوات من تغيرات جذرية وظروف تنمية متسارعة شهدتها البلاد في جميع مواردها البشرية والمادية؟! بل هل يشير ذلك إلى وجود إدراك واستشعار لذلك الكم الهائل من مخرجات التعليم من المواطنين بما يسهم في تمكينهم؟! أم كان هناك تهميش وتجاهل لتلك المخرجات والتي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين؟! وهل هناك سياسة واضحة وشفافة للتعليم بمختلف مضمونه وموارده حاليا ومستقبلاً؟!
ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض نتائج ومعدلات التقارير الدولية إنما يعتمد في مخرجاتها وبياناتها المنشورة على ما يتم تحصيله من بيانات مرصودة، سواء من مصادرها الوطنية أو من خلال ما يتم نشره وطنيا حول تلك البيانات، وأن ما يشير إليه تقرير التنمية البشرية من انخفاض معدلات الطلاب إلى كل معلم في المملكة، مقارنة بالدول الأكثر تقدما، هو كلام مردود في مصداقيته، والذي لا يتفق مع التقييم العام لأداء المؤسسات التعليمية ومخرجاتها. فهل يعنى ذلك أننا نجحنا في استيعاب وتمكين معلمينا والاستفادة منهم أكثر؟! وهل كنا ننتظر مُخرجات تقرير التنمية البشرية وتصنيفه حتى نصحح الهيكل التنظيمي لمواردنا البشرية في التعليم؟! أم أنه كان بإمكاننا وبكل سهولة ويسر إجراء ذات المعادلة وتحديثها بصفة مستمرة بناء على ما يُستجد من مخرجات التعليم، وما يتطلبه من وظائف وما يتصل بذلك من بيانات وإحصاءات يتم رصدها بشكل متوالٍ؟!.
ومن جهة أخرى كيف تبنى السياسات التعليمية وتتخذ الإجراءات والبرامج التنفيذية المختلفة لتفعيلها، مع افتقاد البيانات والإحصاءات الدقيقة وتحديثها والاستفادة منها لمعالجة الإشكالات المختلفة؟ ومن البديهي أن وجود أخطاء في المدخلات أو عدم مراعاة الدقة في رصد البيانات، سيؤدي بالطبع إلى أخطاء في المخرجات، بل يضعف من جدواها وأهميتها في معالجة الإشكالات المختلفة في التعليم ومضمونه، وختاما كيف يمكن أن نضع رؤية مستقبلية صحيحة وإستراتيجيات فاعلة مدروسة نستهدف بها الارتقاء بالتعليم، في ظل غياب الشفافية والبيانات الدقيقة والسياسات المتوائمة مع حالتنا المعاصرة والمستقبلية؟! وفي ضوء ميزانية الخير المرصودة لوزارة التعليم التي بلغت (127 مليار ريال) لعام 1438/ 1439 فإننا ننتظر ونترقب ونأمل ارتقاء ونهضة تعليمية تشمل جميع مكوناته المادية والبشرية.