قبل أن أكتب هذه السطور طرحت سؤالا على أصدقائي أسألهم ماذا يفهمون من عبارة «الثوابت الدينية». وهم رجال ونساء من ذوي مؤهلات جامعية وأعلى، المفارقة هي أنهم لم يتفقوا لا على ما هي الثوابت، ولا كم هي الثوابت. بل اختلفوا حتى على معنى كلمة «ثابت».
لنلقِ نظرة فاحصة على اللفظين اللذين تتكون منهما عبارة «الثوابت الدينية». ولنبدأ بالكلمة الأولى «الثوابت».
ترد كلمة «ثابت» في العربية بمعان عدة تدور كلها على الاستقرار الذي هو ضد الاهتزاز أو الحركة.
فالثابت في كل شيء هو المستقر الذي لا يتحرك أو لا يقبل الحركة والاهتزاز.
أما الدين نفسه فهو خيار شخصي، فمعتنق الدين، أي دين كان، يلزم نفسه بعناصر يراها غير قابلة للنقاش منها دينه ومنها بعض عناصر دينه، وهي ما يقول عنها ثابتة. لكنها قد تختلف مع ثوابت غيره من معتنقي الدين نفسه. كالفرق بين ثوابت السلفية العلمية والسلفية الجهادية، أو كالفرق بين الثوابت عند الشيعة وعند السنة.
وبما أن الدين خيار شخصي فهو ثابت نسبياً، أي بالنسبة لمعتنقه لكنه غير ثابت لمن لا دين له. وكذلك رموز هذا الدين هي ثابتة لمعتنقه لكنها ليست ثابتة عند من لا يعتنقه.
نحن مسلمون، أي أن الإسلام ثابت بالنسبة لنا ما دمنا مسلمين لكنه ليس ثابتا لغيرنا من خارج المسلمين.
تتردد عبارة «الثوابت الدينية» كثيرا في أحاديثنا وأدبياتنا (عدم التعدي على الثوابت... المساس بالثوابت...تجاوز الثوابت... التشكيك في الثوابت) لكن لم يحدث أن حصرناها أو اتفقنا على حصرها، لا نحن فعلنا ولا أي جهة دينية أخرى فعلت. فما هي الثوابت الدينية لدينا؟
ولنقترب من الجواب فلا بد من أن نسأل أولا ما هو «الدين»؟.
في القرآن الكريم نرى اقترانا دائما بين «الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح»، والحقيقة أن هذا هو جوهر الدين ومعناه ورسالة كل الأنبياء.
من إجابات بعض أصدقائي الذين سألتهم عن رأيهم بالثوابت الدينية «هي الشهادتان... هي الأركان الخمسة... هي الحدود التي ذكرها الله في القرآن...هي كل حكم ثبت بنص شرعي من الكتاب أو السنة، هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها... الثوابت هي التي لا تتغير مع الزمن أو لأي سبب كان.. هي الله والدين والنبي.. هي المقرر الذي لا اجتهاد فيه.. هي الأصول الاعتقادية والأحكام الشرعية التي لا تتغير في كل زمان وأي مكان.. هي ما لم يختلف فيه أحد من العلماء مع أحد».
بعضهم أكد أن مصطلح الثوابت مصطلح حديث ولا يوجد في التراث الفقهي.
المسلم حين يختار أن يكون مسلما فإن من الطبيعي أن يعتبر إيمانه بالغيب (الله تعالى واليوم الآخر) من أصول دينه التي لن يضعها محل سؤال أو جدال، وسيضع معها القرآن الكريم فهو الكتاب الذي لا ريب فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولو وضع هذه الأصول محل ريبة أو سؤال فإن إيمانه يهتز بالضرورة، أو أنه يخرج هو من دينه.
إن الثوابت الدينية عبارة تستحق التأمل كما تستحق الفحص والتأصيل والمناقشة فإما أن يتم تقنينها أو استبدالها بما هو أدق منها.
يمكن لأي أحد من القراء الكرام أن يسأل نفسه أو زميله عن معنى عبارة «الثوابت الدينية» وسيكتشف أن الاتفاق على معناها ليس شيئا «ثابتاً».
إن استخدامنا لعبارة «الثوابت الدينية» غير منضبط، ويغدو أكثر خطورة حين توجه التهمة إلى أحدهم بأنه قال أو فعل ما يعتبر مساسا بالثوابت الدينية. ذلك أن المتهم نفسه لا يعرف كيف يضبط معنى الثوابت الدينية فضلا عن المساس بها.
الواقع أنه ليس المتهم وحده من يعاني من عدم ثبات المصطلح.