قبل أيام أسدل الستار على «ملتقى التعايش ضرورة شرعية ومصلحة وطنية» في رحاب جامعة الملك فيصل في الأحساء أرض التعايش بين المذاهب الإسلامية منذ القدم، والتي يوجد في أحد أهم شوارعها الرئيسة ثمانية مساجد تقام فيها الصلوات على المذاهب الخمسة. وقد نظمته مؤسسة قبس بإشراف رئيس مجلس أمنائها سمو الأمير عبدالعزيز بن محمد بن جلوي، وبرعاية كريمة من أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف. وللأسف لم يعط هذا الملتقى ما يستحقه من اهتمام إعلامي وشعبي!

التعايش هو قبولك الطرف الآخر، و احترام مبادئه وقناعاته، وفهمك لكيفية التعاون معه وفق قواعد التوافق الإنساني، من أجل خلق بيئة إيجابية تعزز من حالة الانفتاح، وتسهم في نشر ثقافة الحوار.

كان المسلمون منذ بزوغ فجر الإسلام متعايشين مع شتى الأديان والأطياف والأجناس، فحين هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم عقد وثيقة المدينة مع يهود المدينة لتنظيم أسس العلاقات معهم. وكذلك سار الخلفاء والحكام من بعده، في إرساء أسس التعايش مع غير المسلمين، حتى فضل بعض اليهود البقاء في أوطانهم الأصلية على الهجرة إلى فلسطين. ومع سوء الأوضاع في بعض دول الربيع العربي تمسك كثير من النصارى بالبقاء في أوطانهم، بالرغم من الإغراءات المقدمة لهم من الدول الغربية بالهجرة. وكذلك عاشت الطوائف الإسلامية متعايشة مع بعضهم بعضا.

وللتعايش فوائد جمة، أهمها ازدهار الأمن الذي تنعكس آثاره في مجالات كثيرة في الحوار، والاقتصاد، وتبادل المصالح والمنافع، والتواصل الحضاري وغيرها. وفي التعايش ثراء معرفي ونماء حضاري، وتعزيز للحمة الوطنية، وتقوية للجبهة الداخلية، وكسر لشوكة التطرف والعنف والإجرام والإرهاب.

إن دورنا في مسألة التعايش جد خطير، فهو قدرنا أن نعيش متعايشين يسودنا الاحترام المتبادل، فبدونه ينفلت الأمن، وتقوى العصبية، والقبلية، والطائفية، وتتراجع الحضارة، فلنجعل قيمة التعايش أسلوب حياة، فيا ليت قومي يعلمون!