معظم الناس هنا في بلدي -المملكة- تربكهم المناسبات الدخيلة على الوطن، وقبل ذلك الدين والعادات والتقاليد والمجتمع!، فهم لا يتواءمون معها إلا بفعل سلوك «هجين» يُراءى لهم أنه امتثال للطقوس الاجتماعية ذاتها في العالم، وهي تتماهى مع مناسباتهم الخاصة التي تتفق مع طبائعهم ونسيجهم الاجتماعي الصرف!
فعيد الحب -أو معذرة ما يسمى بالفالنتاين حتى نعطي للتسمية حقها- هو عيد إرباك للحب ذاته!، هو تشكيل الهاجس الآيديولوجي الآنف عن الأخلاق ودرء مفاسدها، والتوجس من كل ما هو أحمر!، بل الارتياب حتى من الورود في اليوم الرابع عشر من فبراير، وللأمانة فأجمل الشهور الميلادية بالنسبة لي هو فبراير لاعتبارات كثيرة يتعذر المقال ذكرها لكم.
على أية حال، فالحب -من وجهة نظري- لا يُحدد بيوم أو ليلة أو ساعة!، نحن لدينا أزمة إيمان ضعيف ليس في التدين وحسب، وإنما في أفكارنا عن هذا الحب، وكأنه شيء ساقط من السماء يأتي مرة كل عام، كحبةِ ثلج ذائبة!، ثم نسارع بمحاولة قضمها للتلذذ بها قدر الإمكان! فيما هي تذوب غير آبهة بنا.
فهل هذا هو مقدار الحب الذي نستجديه؟، هل نحن تافهون إلى هذه الدرجة التي تجعلنا نشحذ حبا واهما غير ذا قيمة؟، هل تناسينا قدر الحب الحقيقي الذي لا يموت، ولا يُنسى، ولا ينتظر يوما واحدا في السنة؟! يا له من «فالنتاين» شحيح وبخيل جدا! لكنني وفي المقابل، لا ألوم من يعيش لحظات هذا النوع من الحب الرائج الذي تسوقه الشركات لنا، ونقع في
مصائده المادية والاقتصادية، بسبب عوائده الكبرى على مستوى عالمي كبير، فمحلات الورد تنتعش أرباحها
بفضل القوة الشرائية من المستهلك!، نعم، المستهلك الذي يريد الاحتفال بيوم الحب. عيد الحب. عيد
الفالنتاين أو عيد العشاق. هو لا يبحث عن شيء حقيقي للظفر به في الأصل، بل بالتشبث بأكسجين آخر هربا من هذا الاختناق الاجتماعي، وهو يحيط به من كل جانب!، هو يشتري «الورد» في حالة من التوجس والتوهم اللحظي الذي يأسره رغما عنه لأنه «الفالنتاين»، ثم ماذا؟! يأتي في اليوم الآخر وهو ينظر إلى وروده المشتراة بريبة، وكأن العلاقة انتهت تماما بالزهور والورود والعطر!، ولسان حاله يُردد: «مع الورد يا شقرا».