عندما نذكر كلمة احتلال يخطر ببالنا كل أنواع الظلم والقهر وقتل النفس ببطء، وما يتبعه من عبء الدفاع عن النفس بشتى الوسائل، هذه الكلمة قد تمر مرور الكرام على من لم يعايشها أو لم يتفاعل معها، ولكنها عند الشرفاء والمخلصين تحمل آلاما كثيرة، كالجهل والسرقة والنهب وانتهاك الحرمات ـ حتى الدينية ـ، والتاريخ يثبتُ هذا ويؤكده، فالعقلاء والنبلاء أصحاب الرأي والمشورة مدركون لهذا الأمر، فكلمة الاحتلال تعني لهم تغيير كل شيء؛ ولهذا فهم يحاربون ويقفون في وجه المحتل.

المحتل يدرس كل ما يخص البلد المستهدف من تاريخ وجغرافية وعادات وتقاليد، فيكون في هذه الحالة قد ألمّ بكثير من الأمور التي تسهّل وتذلل له المصاعب التي تعوق احتلاله لهذا البلد أو ذاك، ويكون في هذه الحالة قد وظف الكثير من هذه المعلومات؛ كي يسهل عليه دخول البلد في المراحل الأولى، وقد تكون هذه المعلومات عسكرية أو سياسة أو اقتصادية.. إلى غير ذلك، فإذا ما تجاوز هذه المرحلة بدأ في مرحلة التوغل شيئا فشيئا إلى أن يدرك ما جاء من أجلهِ من السيطرة على البلد والتحكم فيه، فيكون في هذه الحالة قد تربع على عرش الحكم بشكل معلن أو غير معلن، وأعني أن كثيرا من البلدان الآن تعتبر تابعة لبلدان أخرى، وإن كانت ظاهرا متحررة، ولا نذهب بعيدا فأنموذج العراق وسورية خير برهان على ما كتبناه، ففي ظاهرهما تتمتعان بوجود حاكم وعلم وسلام وطني، وفي الباطن نجدهما تابعتين للاحتلال.

عندما أرادت أميركا احتلال العراق عادت إلى التاريخ، ودرست البلاد وكل ما تحتاج إليه لتسهيل احتلالها، وبذلك يكون الناتج إيجابيا أمامها، وإذا ما عدنا إلى دراسة تاريخ الاحتلال الإنجليزي، نجد أن الإنجليز عندما دخلوا العراق بداية القرن المنصرم بدؤوا بمدينة البصرة، وحاولوا إشغال الناس عن الدفاع عن أوطانهم بتكسير أبواب المحلات والدكاكين الموجودة في أسواق البصرة، فهرع الناس وانشغلوا بالنهب والسلب، وإذا ما فندنا حقيقة هذا التصرف «وجدناه» مساندا للاحتلال، فابن البلد عندما يكسر وينهب ويسرق يكون قد شارك المحتل في فعله، فكأن المحتل في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، فكان هذا الفعل أكبر مساعد للمحتل على احتلاله، وكأن المحتل بهذا نجح في اصطناع عملاء من الشعب من غير عمولة، فكانت هذه بداية مساعدة الإنجليز في احتلال العراق، وهكذا تستتب الأمور لمحتل تعامل مع المرجفين على تنوع أصنافهم وأنواعهم.

نرجع إلى اعتماد الأميركيين على هذا الفن وهذه الحيل التي درسوها قبل احتلالهم العراق، فكانت الخطة مشابهة مع زيادات عليها، فقد كسروا وشجعوا الشعب على النهب والسلب وإحداث الفوضى، وكان دورهم هو السيطرة على مقومات الدولة التي يتم بها إسقاط النظام، وبالفعل نجحوا. ما تقدم لا يعني بالضرورة النجاح، بل قد يكون فيه الفشل، وقد يتبدل التاريخ بالثقافة وتتحول مجرياته من سيئ إلى حسن، فالواجب على الأمة ألا تستمر على ما كان سلبيا من تاريخها، بل عليها أن تتفنن في صنع انتصارات الأمة، ودراسة كيفية الوصول إلى النصر، وكيف دافع أسلافنا عن بلدانهم منذ زمن النبوة إلى يومنا هذا، ففي تاريخنا انتصارات عظيمة، سواء في الدفاع أو في فتوحات المسلمين للبلدان، يشهد على ذلك التاريخ ووصول المسلمين إلى مشارق الأرض ومغاربها، فقد وصلنا إلى الصين وحدود فرنسا، وهذا كله بفضل الله أولا ثم بأفكار قادة الأمة.

في ختام هذه المقالة المختصرة المحزنة أوصي أمتي بالرجوع إلى التاريخ واستدراك السلبيات منهُ، ودراستها ومعالجتها بأفضل الطرق والوسائل، وبذلك نصطنع معادلات تؤدي بنا إلى الفوز والنجاح، هذا إذا أردنا أن نبقى أمة ترفض أن تتقاسمها الأمم.