أفاد الخبر الذي أوردته صحيفة عكاظ الأحد المنصرم بأن شاعرنا المبدع (مهندس تفاصيل حالات العشق المحلي) البدر بن عبدالمحسن، أقام أمسية شعرية في جامعة الفيصل بالرياض، بعد انقطاع طويل عن المشاركة، والتلويح باعتزال اللقاءات الشعرية، ويتضمن الخبر قول مدير العلاقات والإعلام بمؤسسة luxury فهد المعيبد بأن «عدد الطاولات المخصصة للعشاء مع الشاعر البدر بلغ 30 طاولة، بيعت معظم كراسيها بـ15 ألف ريال، (ثمنا للكرسي الواحد فقط)..»!
وللحقيقة فقد استفزني الخبر مزمعا مقاربته من زوايا متعددة، وتمنيت -بداية- ألا يقع شاعرنا البهي في هذا الفخ الاستهلاكي المادي بكل تلك السهولة، ولو أنني متيقن بأن المنظمين استغلوا عدم اهتمام الشاعر/ الإنسان الجميل بالخوض بتفاصيل المكتسبات المادية لتلك الأمسية، باعتبار أنهم (ربما) قد قالوا له -بسرعة وبشكل عام- بأن ريع الأمسية سيذهب لغرض خيري يستفيد منه صندوق الطالب بالجامعة (وبس..!)
سبق للشاعر أن أقام عدة أمسيات لأهداف خيرية، ولكنها لم تكن في سياق مبالغات وتجاوزات الأمسية (التجارية/ الخيرية) الأخيرة، كالأمسية التي أحياها الشاعر في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض كذلك، تضامنا مع جمعية (سند) لدعم أطفال مرض السرطان، وكذلك أمسية (فندق الفورسيزون) في افتتاحية فعاليات معرض (ومض) الخيري، وأمسيات أخرى كثيرة، على امتداد ثلاثة عقود من الزمن، زاخرة بالنقاء والصفاء والوفاء للشعر والحب والجمال..
وفي الحقيقة إن مبررات القائمين على الحفل أيا كانت درجة إقناعها، لا يمكن أن تسوغ لهم هذه الممارسة غير المعقولة (تماما)، والتي لم يسبقهم لها أحد، من أكثر (التجار) جرأة، فهل يمكن لعاقل (أو مجنون) أن يستوعب أن ثمن كرسي طاولة العشاء في تلك الليلة يبلغ 15 ألف ريال عدا ونقدا! لا شك أن هذا المبلغ يكفي لأن يتجول به صاحب الكرسي الفاخر في أرقى مطاعم العالم لشهر كامل، أما لو كان صاحب الكرسي من محدودي الدخل وقد كسب رفقة أحد الحاضرين المقتدرين، فإن ذلك المبلغ كفيل بالوفاء بالتزامات معيشته الأسرية لثلاثة أشهر على الأقل (مع عشاء فاخر لتسعين يوما تامة متتابعة)!
وبحسب قول مدير العلاقات والإعلام، بأنه قد تم بيع معظم التذاكر لكراسي الطاولات الثلاثين، فيمكن بحسبة بسيطة تقدير المكسب المادي لذلك المشهد، فإذا افترضنا أنه تم بيع 4 كراسٍ لكل الطاولات (من أصل 5 أو 6 كراسٍ)، فإننا سنكون في حضرة (مليون و800 ألف ريال)، ولو قيل لنا -بعد ذلك- إن الكراسي لم يبع معظمها (بدقة الوصف)، فلن يكون المبلغ الناتج أقل من مليون ونصف المليون!!
من جهة أخرى، هل الأعمال الخيرية تجري فعالياتها على فضاءات البذخ والإسراف بهذه الطريقة؟ فالقيم النبيلة تأتي مجتمعة متسقة، فلا يمكن أن يجتمع الصدق والرياء مثلا، كما لا يجتمع التكافل الاجتماعي والإسراف البشري، كما لا يجتمع الشاعر البدر الجميل صاحب الأحاسيس المرهفة واللغة الفاتنة والهاجس الوجداني، مع رعاة البذخ والمظاهر البراقة!
بدر بن عبدالمحسن، وكل شاعر حقيقي لا يمكن أن يقبل بحصرية ليلته الإبداعية على الأثرياء دون غيرهم! بل نجد أن الشعراء يتآخون غالبا مع البسطاء الذين يقتاتون من الشعر سحرا حلالا، تذوب فيه آلامهم وأحلامهم وعذاباتهم السرمدية!
بالتأكيد، فإن البذخ الهائل في كافة تفاصيل تلك الأمسية دخيل على ليالي الشعر الحقيقية المفعمة بالحميمية والتلقائية و(الاستكنان)!
وبعد، فكأني بجُمل الشاعر تقف على لسانه ممتنعة، وهي تنادي صاحبها في الأمسية بـ:»أبي ليل غير هاالليل..أبي ليل (من أول)/ هالليل جرحني حيل... يالله ياهو تحول/ ليلي من أول حنون... سهران في أحلى عيون/ أبي إحساس يرجعني... وأحس بأنني إنسان»!