ربما هي الصدفة التي ذكرت فيها قصة قصيرة عن زوجة سعودية تعرضت للخيانة على أحد مواقع التواصل؛ لأتلقى بعدها عشرات القصص تسردها زوجات سعوديات متألمات، معظمهن انتهت رسالتهن بعبارة "أنا لا أعرفك وأضفتك بالصدفة، لكني شعرت بحاجة لأن أتكلم مع شخص لا يعرفني، ولن يلومني"، وبعضهن بررت البوح ليوزر غريب بقولها "لقد اشتكيت لأخي من خيانة زوجي فقال عنده حق طالعي في نفسك"، وبعضهن يقلن إنه "لا أحد لدي؛ أمي متوفية، والحياة باعدت بيني وبين إخوتي".

لقد حاولت بخبرتي المتواضعة أن أمدهن ببعض النصائح، وأهمها أنه لا شأن لوجهها في موضوع الخيانة، وأن هذا الرجل هو خائن بطبعه، ولو تزوج من خانك معها فسيخونها هي الأخرى؛ وهو ما أثبتته الدراسات. لذا قد يثير التعجب أن أكثر الرجال الخونة يخونون سيدات جميلات جدا وراقيات جدا، ولا شيء ينقصهن لكنه هو الناقص وليس هي.

ما استوقفني حقا أن السيدات لجأن لي وشاركنني قصصهن دون معرفة سابقة بخبرتي أو سني أو درجتي العلمية أو حتى تخصصي؛ ما جعلني أوقن أنهن مثل الغريق الذي يتعلق بقشة "ولا يهمهن من أين جاءت وهل ستستخدم ما قيل ضدهن أو تبتزهن… إلخ".

إننا بشر نتعرض للضغوط وليس كلنا لديه أصدقاء نثق بهم أو أقرباء مساندون، لذا ما يحدث خطير جدا؛ فترك هؤلاء الناس يكتمون كل هذا الألم دون خط ساخن يصلهم بناصح حقيقي، ومستمع متفهم مدرب وجيد ينذر بكوارث شتّى، لأنهن أمام خيارات خطيرة؛ إما الصمت والانتحار الداخلي، أو اللجوء إلى أشخاص ربما يكونون خطرا آخر يكلف هؤلاء المحتاجين للمشورة حياتهم.

أظنك عزيزي القارئ قد سمعت عن حسابات يديرها رجال، ويكتبون تحتها "مستشار أسري"، ولا تعرف من هم وما سيرتهم الذاتية، وهل مع سهولة التواصل بين الرجال والنساء؟ ومن الممكن أن يكونوا مجرد متصيدي علاقات نسائية، لتنتهي امرأة تعاني من خيانة زوجية أو عنف أسري ضحية اعتداء آخر.

إن ما يحدث هو فوضى حقيقية لا أعرف إذا كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية انتبهت لها، أو لديها خطة لحماية النفس السعودية المكبلة بالضغوط، وتوفير خط ساخن لمثل هذه المتاعب والأزمات، تشرف عليها في الجامعات والوزارات والأحياء.

في بريطانيا، وأعرف أني أكرر في مقالاتي شبه الجملة هذه، عندما تعاني امرأة أو رجل من أزمة ما؛ فإن بإمكانه الذهاب إلى (الجي بي)، وتحديد موعد مع أخصائي نفسي في أقل من ثلاثة أيام عمل؛ فالتعب النفسي لديهم هو أولوية ربما تتقدم على المرض العضوي.

بل إن هناك شيئا عجيبا تجده في دورات المياه، وهو مكان مفضل لمن يود البكاء دون أن يراه أحد؛ هناك منشور معلق على الباب تراه بمجرد إغلاقه لتبكي، مكتوب عليه: هل تحتاج أن تتكلم مع أحد؟ أنت لست وحدك نحن هنا، اتصل بنا، وتحته رقم تلفون وإيميل وابتسامة لطيفة.

أعتقد أن لدينا عشرات الخريجات من علم الاجتماع وعلم النفس، وهن بالمناسبة من يعمل في بريطانيا على مثل هذه القضايا بعد تلقي تدريب معين؛ فإذا وجُد أن الحالة تستدعي طبيبا نفسيا تم تحويلها إلى المختص أو الشرطة. فمتى ستفعلونها؛ أعني وزرة العمل والخدمة الاجتماعية؟