ذهب يوسف لأول مرة في حياته إلى خارج الوطن، وكانت رحلة عمل لإحدى الدول الأوروبية، وعاد إلينا حبيبنا يوسف مهووسا متعجبا فاغرا فاه بما رآه وسمعه وعاشه وعايشه مع الخواجات وكل من يعيش على أرضهم من جنسيات وألوان وأشكال ولغات وعرقيات وأديان مختلفة، وقد استغرقت الزيارة التاريخية لصديقنا يوسف مدة ثلاثة أشهر قد تزيد أسبوعا أو تنقص مثله، وما إن عاد إلى أرض الوطن الغالي حتى أسهب في شرح مشاهداته بالتفصيل والتوثيق بالصور، حتى شعرنا بأنه قد جلس في تلك البلاد البعيدة سنين عديدة وليست أشهرا فحسب، الرحلة هوست الرجل وجعلته يحكيها لكل من جلس معه، حتى ذكرني وهو يسرد ما يسرد من مشاهدات وقصص ومواقف... الخ بالشيخ الجليل الرحالة محمد بن ناصر العبودي وهو يحكي لنا مشاهداته الجميلة في رحلاته في أنحاء العالم بأسلوب وصفي دقيق لا ينقصه الإبداع ولا الروعة، يجعلك تشعر بأنك كنت موجودا في تلك الرحلات.

وسأذكر مقتطفات بسيطة مما أدهش صاحبنا يوسف رغم أنها الرحلة الأولى له خارج الوطن وكانت قصيرة عطفا على الأشياء الكثيرة التي تكلم عنها، ولعل من أبرز ما رصده لنا في رحلته هو: احترام النظام، فالكل يعرف ما له وما عليه، سواء في السير -رجالا أو ركبانا- في الطريق أو عند المراجعات أو في الأماكن العامة وغيرها، النظافة في الشوارع وفي كل مكان حدث عنها ولا حرج، حتى إنه قال عنها (لو وقعت اللقمة منك على الأرض لأخذتها وأكلتها من شدة النظافة)، حسن التعامل من الموظفين عند مراجعتك أي جهة حكومية أو أهلية، عنوانهم الانضباط والإنجاز، الشوارع منظمة مرتبة، والأشجار والخضرة تزهو بها الطرقات (لا أحد يقول مناطقنا ما تساعد على الزراعة... غير صحيح.. لأنك تشاهد القليل من شوارعنا مزروعة وجميلة، أما بعضها ودك تسكر عيونك من يوم تدخلها حتى تخرج منها.. فضلا عما نشاهده من زراعة ومحاربة للتصحر في بعض الدول المجاورة لنا ذات الطبيعة المناخية والطقس الواحد بالنسبة لنا)، نعود لبطل مقالنا الأخ يوسف وبعض مشاهداته، فقد شاهد نظام المواصلات والتقدم المذهل في ذلك، وشاهد المحلات التجارية الكبيرة والصغيرة وهي تحمل التسعيرات دون غش أو تلاعب، وشاهد المطاعم وما بها من نظافة وحسن تعامل ومعاملة (لم يأكل اللحم قط خشية أن يكون لحم خنزير)، ناصح ما شاء الله عليه، زار بعض المدارس فوجد التقنية الحديثة والتعليم بشكل جذاب للطلاب، الناس كلٌّ في حال سبيله لا يعنيه الآخرون، فلا يشغل نفسه بهم، وجد التقنية قد تم تطويعها في كل شيء، فلا تكاد تعمل شيئا دونما تستخدم إحدى وسائل التقنية المتجددة، تحدث صاحبنا يوسف عن أشياء كثيرة أكثرها مثالية وجميلة تعبر عن التقدم والتطور الذي وصلت إليه هذه الدول ومجتمعاتها، وبالتأكيد لم يتأت لهم ذلك إلا بعد سنين طويلة سنت خلالها أنظمة وقوانين ودساتير صارمة، هذا قليل مما ذكره لنا يوسف من مشاهدات خلال تلك الرحلة. وأقول معقبا على بعض ما ذكره: الغرب يوجد لديهم تطور وتقدم كبير لا ينبغي إنكاره، لكن أيضا لديهم من الانفتاح والحرية المفرطة في بعض الجوانب، مما يجعلهم كفاقدي الهوية في بعض الأمور. ويبقى التقدم الحضاري والتطور والنماء مطلبا وهدفا لنا دونما أي شوائب قد تعكر قيمنا النبيلة ومجتمعنا المحافظ الكريم، وأختم مقالتي وأقول باختصار شديد الحمد لله، نحن ننعم بنعم كثيرة، وبلادنا تتطور بشكل مستمر وبخطى حثيثة ثابتة، وبوسعنا -إن شاء الله- أن نكون أفضل من الغرب، ولكن التطور لا يأتي من فراغ ولا في ليلة وضحاها.. والسؤال كم نحتاج من الوقت كي يتغير البشر والحجر لنتطور؟