هل تعتقد أن العلمانية ستقضي على الإخوان المسلمين وخداجهم من السرورية؟ هذا السؤال من أكثر الأسئلة مثارا للسخرية، لأن من يعرف الإخوان المسلمين جيدا سيدرك الإجابة الأكثر سخرية: لن تقضي العلمانية على الإخوان المسلمين، لأن الإخوان المسلمين وبكل بساطة إن لزم الأمر سيصبحون علمانيين، مثلهم مثل كل اليمين المتطرف الذي يحوي شريحة من المسيحيين المتزمتين الكامنين في أوروبا مع بقايا للفكر النازي والفاشي، موجودون بحماية العلمانية التي قدمت لهم الحرية كما قدمتها لبعض المتطرفين المسلمين في أوروبا والمطالبين بتطبيق الشريعة هناك، وكلهم نشؤوا في أحضان العلمانية التي تقدر حرية الضمير والرأي، ليستثمروا كل الظروف الممكنة، خصوصا مواسمهم التي تزدهر على الأشلاء والتفجيرات ليعودوا من جديد سادة المشهد السياسي في بلدانهم، ليتحول اليمين المتطرف كالمستبد في الوطن العربي الذي يستثمر وجود التطرف الإسلامي في تغذية شرعيته وتبرير هيمنته على البلد.

إذا كانت العولمة في بدايتها عبارة عن طموح واشنطن لأمركة العالم، مما جعل حتى فرنسا أرض الحرية تتضايق من ذلك وتخشاه على ثقافتها، فكيف بالأرض العربية التي تحوي أعتى الديكتاتوريات تشبثا بكرسي الحكم في العصر الحديث، ولتجيء حادثة برجي التجارة العالمية لتهدم هذا الطموح الأميركي، لتصرخ أميركا في العالم العربي بالفوضى الخلاقة كضمادة لجرحها النرجسي في الانتقام، وما زالت ارتدادات العولمة التي لم تعد أمركة، بقدر ما هي تبادلية بين الشرق والغرب، لنراها وقد أجبرت الغرب على أن يعود للوراء قليلا في مسائل الحقوق حفاظا على كيانه السياسي، وبالمقابل ستجبرنا العولمة في الشرق على السير للأمام قليلا في مسائل الحقوق حفاظا على كياننا السياسي، ولا نعلم عن المنتصف المطلوب الذي يجب أن يلتقي عليه ويصل إليه (كل العالم شرقا وغربا) لتبلغ العولمة ذروتها في جعل القرية الكونية مجرد غرفة واحدة، وتبقى العلمانية ضامنة العولمة التي يتحسس منها بعض الإسلاميين، رغم أنها كانت سر بقائهم وبقاء قياداتهم تلك السنين الطويلة تحت حماية الغرب أمثال راشد الغنوشي وغيره من الإسلاميين الذين كانوا أقل براجماتية منه، ليظهروا وكأنهم أكثر تطرفا منه.

العلمانية التي يحاربها الإسلاميون علنا ها هم يتفيؤوا ظلالها كل صيف سفرا وسياحة، بل ودعوة إلى طائفتهم ومذهبهم، لأن الإسلامي في حزب الدعوة الشيعي سيدعو للإسلام من وجهة نظره، ولن يقبل من المسيحي دخول الإسلام بالطريقة السلفية السنية، والسلفي سيدعو إلى الإسلام ولن يقبل من المسيحي دخول الإسلام بالطريقة الإباضية، والعلمانية ترحب بكل هؤلاء واختلافاتهم ومساجدهم المتنوعة في بلاد الغرب (الكافر)، والتي تملأ العاقل عجبا لعدم إدراكهم أن الطريق إلى الله بعدد أنفاس البشر.

الإخوان المسلمون عاشوا قرنا من الزمان وسينقرض منهم الديناصورات التي لا تستطيع التكيف، ويبقى منهم جيل ذكي، يؤمن بأهمية التعددية، لا حبا في التعددية السياسية بقدر ما فيها من ضمانة شخصية لأفراد الحزب، فالإسلاميون حزب سياسي بامتياز، ويجب أن يعترف السياسيون في الوطن العربي بهذا الحزب على أرض الواقع، ويجب على الإخوان المسلمين بالمقابل أن يعترفوا بأنفسهم كحزب سياسي له وعليه، مثل ما للأحزاب وعليها، بدلا من ازدواج الشخصية ومرض الفصام الحزبي، فلغة للخارج تعترف بسيادة الشعب بكل أطيافه ومذاهبه، ولغة داخلية تدعو للحاكمية وبالعمر الطويل للمرشد، علما بأن الحياة القادمة للإخوان المسلمين ستكون أكثر تقدمية وعلمانية من بعض الليبراليين، والمشهد الاجتماعي في وسائل التواصل الآن يظهر (بعض بنات) كبار رموز الإسلام السياسي الذين كانوا يفتون بأن (صوت المرأة عورة) يشاركون في وسائل التواصل، بشكل فاق بعض عائلات التيار الليبرالي، فهل أدركنا حجم المرونة وروح المبادرة والقدرة على التكيف، فكيف نسأل السؤال الساذج: هل العلمانية ستقضي على الإخوان المسلمين؟ ما أراه أنهم سيختطفون العلمانية في سبيل ما يريدون كما سبق وأن اختطفوا الثورات، لأنهم أسياد الركمجة وعرابوها، جماهيرهم شباب يقفون على شاطئ المعرفة، مبهورين بمهارة شيوخهم على الركمجة، عاجزين عن رؤية البحارة والغواصين هناك من صيادي اللؤلؤ مفكرين وفلاسفة وشعراء وفنانين وعلماء طبيعيات عبر ما يزيد عن خمسة آلاف سنة حفظتها البشرية، فالبحر له ربابنته وغواصوه، والشاطئ للخائفين عن خوض بحر المعرفة الواسع باتساع الأرض منذ إنسان النياندرتال الأول، وصولا لآثار الحضارة الإنسانية من أيام الإنكا والمايا في أميركا الجنوبية، وصولا للهند والصين شرقا وما بينهما، فكيف نختصرها في ثقافة المركمجين السطحية التي تمزج ما بين (كتب الرقائق) و(كتب تطوير الذات) كطريقة عصرية للركمجة تبهر السامعين العاجزين عما هو أبعد من الشاطئ وزبده.