ربما قرأتم عن نظرية الشواش أو الفوضى والتي أول من كتب عنها كان الدكتور إدوارد لورينتز الذي كان يحاول حل مشكلة التنبؤ بالطقس، فاكتشف أن حركة صغيرة شبهها برفيف جناح فراشة في نيويورك قد تتسبب بإعصار في المحيط، فكل شيء مهما كان صغره وصغر حركته قد يكون مؤثرا ويحدث زلزالا أو إعصارا.
أكتب هنا وأنا أفكر، لماذا لم يفكر أمين محافظة الدمام في عذر أكثر منطقية مثل حدوث فوضى ما في مكان ما أدى إلى الفوضى التي أحدثها المطر، لربما كان ذلك أبلغ من قصة أن المطر قرر أن يكون ثقيلا هذه السنة، وهذه ليست عادته، هداه الله.
لم تفلح هذه الإجابة أيها الأمين لأن جيرانك في الجبيل لم يغرق عندهم شارع واحد مع أنكم تشاركتم الغيمة والساحل والنسيم.
أحد المصورين الشجعان التقط صورا للماء وهو يتجمع بعيدا عن المصارف التي ربما هي نفسها تساءلت وهم يضعونها في المكان الخطأ، لماذا يضعونها في قمة الشارع ومكانها في المنحدر؟ هل ليس لدى أمانة الدمام خرائط ورجال يفهمون في الزوايا والحفر؟.. أتساءل.
أذكر أن أمي -أطال الله عمرها في الطاعة- كلما امتلأت سماء جدة بالغيوم صعدت إلى السطح وفتحت مخارج المطر التي نسميها "المرازيم"، ألم يستطع مراقبو الأمانة مراجعة أماكن تلك الفتحات، والتأكد من عملها ولو يوم خارج دوام مثلا!.
قد ترى تلك مجرد إجراءات عادية تفعلها كل أمهاتنا الحكيمات وأوافق على ذلك، وأضيف أن أمهاتنا أكثر حكمة من ذلك المسؤول الذي اقترح طريقة لتقليل تكلفة تعبيد شوارع جدة بأن يتم خلط الأسفلت القديم بالجديد، فكلفنا ملايين الملايين بسبب أن المطر -هداه الله- أوقظ الميت قليل الجودة المرصوفة به طرق جدة، فاضطرت الأمانة كل سنة لإعادة التعبيد مرة بعد أخرى.
وأنا أشاهد شوارع الدمام تذكرت الرجل وأيقنت أن مجاملته الفاسدة عابرة للمناطق، وفكرت كم سندفع ثمن الاستماع لغير الحكماء والوصوليين الفاسدين الذين يغشون وطننا بادعاء الحرص على ثرواته، وهم يدسون في جيوبهم الفارق.
أتساءل بعد ما شاهدناه من تقرير الفساد الذي قدمه المطر في الأسبوع الماضي، هل نجرؤ على التقدم في الرؤية قبل أن نغلق منابع الفساد وحفره التي تأكل خير الوطن وتسلينا بهياط خدمي تحطمه غيمة مطر.
أذكر أن أمي كانت كل ما انتهى الماء الذي تصبه عين العزيزية في بيتنا واضطررنا كما يفعل أهل جدة لشراء صهريج الماء، لا تسمح له أن يفرغ ماءه في خزان منزلنا قبل أن تتأكد من أن جميع حنفيات الماء في المنزل تم إغلاقها، وتفعل ذلك بنفسها حتى تتأكد أن لا نقطة ماء ستتسرب دون أن نستفيد منها.
إننا نحتاج إلى خطة خاصة بالفساد نغلق منافذه فيها، ونقتلع جذوره من كل الوزارات، خاصة وزارة النقل وكل ما يخص المشاريع والمناقصات، فلا يعقل أن تدفع الدولة مبلغا كبيرا لشركة كبيرة ثم تدفعه هي إلى شركة أصغر وهكذا حتى يستلمه مقاول يتلقى الفتات ويعطينا الفتات.
الاقتصاد يحتاج إلى أكثر من حزم، والخدمات تحتاج إلى رقابة حتى لا تتحول مشاريعنا إلى قلاع من رمال يهدها المطر.