يلعب القطاع الخاص دورا محوريا في تحقيق رؤية 2030 وما تستهدفه من تحقيق تنمية شاملة اجتماعية واقتصادية مستدامة، ينعكس مردودها على الوطن والمواطنين، وذلك لكونه يمثل الهيكل المؤسسي الذي من خلاله يمكن تنويع القاعدة الاقتصادية بمنتجات متنوعة تغذي قاعدة الاقتصاد الوطني القائم على البترول كداعم رئيس لميزانية الدولة وإيراداتها، إلى جانب أن ذلك القطاع يعتبر مصدرا مهاما لتوليد الوظائف وخلق فرص العمل المختلفة التي تناسب مختلف الكفاءات والمؤهلات، بما يحتويه من مجالات استثمارية مختلفة في نشاطاتها ومجالاتها، سواء التجارية منها أو الصناعية والزراعية، وغيرها.

وحيث إن القطاع العام بمؤسساته الرسمية المسؤولة عن تنظيم العمل في القطاع الخاص وتقنينه وفق ما تستهدفه الدولة من استراتيجيات وغايات، فإن القطاع الرسمي الحكومي هو الُمنَظم الفعلي والمتحكم في السيطرة على أداء القطاع الخاص، بما يُسنَه من قوانين وتشريعات ولوائح منظمة وحاكمة لآلية وطبيعة الأداء، وبما يتضمنه من موارد بشرية وغيرها، وبما يتواءم مع المصلحة الوطنية واستشعار المسؤولية الاجتماعية التي تصب في صالح الدولة والمواطنين.

وعلى الرغم مما يمثله القطاع الخاص من مجال مهم وهدف رئيس في تحقيق الرؤية 2030 من خلال قطاعاته المختلفة وفي توفير فرص عمل رائدة ومتنوعة، إلا إننا نجد أنه لا يستقطب أكثر من (16%) من المواطنين، في حين تشكل العمالة الوافدة (84%) من موارده البشرية، وذلك بناء على بيانات الإحصاءات العامة لمسح القوى العاملة 2015، وذلك على الرغم من أن موارده البشرية تصل إلى (10 ملايين مشتغل) بنهاية عام 1436، كما يشير تقرير التأمينات الاجتماعية لتلك الفترة، وذلك بزيادة قدرها (6%) عن العام السابق.

ومن جهة أخرى، فإننا نجد أن البطالة ترتفع بين المواطنين إلى (92.28%) من جملة المتعطلين، بينما تمثل البطالة لغير المواطنين النسبة المتبقية (7.71%) من المتعطلين، وعلى الرغم من أن المشتغلين من السعوديين لا يتعدون (40.57%) في سوق العمل الوطني، غير أن تلك النسبة ترتفع عند غير السعوديين إلى (58.02%) من جملة المشتغلين في سوق العمل الوطني، وذلك بناء على بيانات مسح القوى العاملة في الربع الثالث من عام 2016.

ومما لا شك فيه أن انخفاض الأجور في سوق العمل الوطني في القطاع الخاص كان له الدور الأكبر في ارتفاع نسبة البطالة بين المواطنين من جهة، وما يتبعه من انخفاض نسبة المشتغلين منهم في ذلك القطاع، حيث إن مؤسسات القطاع الخاص لم تستقطب الموارد البشرية المواطنة، بل عملت على استبعادهم وتهميشهم من خلال انخفاض معدل الأجور الذي لا يمكن أن يناسب المواطن في ظل تكاليف المعيشة المتوسطة أو المقبولة في حدها الأدنى، في حين أنه يكون مقبولا لغير المواطن لاختلاف ظروف المعيشة بين المواطن وغير المواطن، وبذلك استحوذ غير المواطن على فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص، وكما يشير تقرير التأمينات الاجتماعية للعاملين إلى أن نصف العاملين في القطاع المشمول من التأمينات الاجتماعية من غير المواطنين كانوا من فئة الأجر الأقل من (1000 ريال)، وذلك بنسبة (47.4%) من جملة المشتغلين من غير المواطنين، بينما ترتفع النسبة إلى (52%) عند المواطنين المشتغلين في ذات القطاع، والذين تقل رواتبهم عن (3.500 ريال)، والذين يبلغ عددهم (988.9 ألف موظف)، وذلك حتى نهاية عام 1436، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف ظروف المعيشة.

ومن جهة أخرى، كشف ذات التقرير للتأمينات الاجتماعية (1436) والمنشور في 27/ 4/ 2016 أن نحو (366 ألف موظف سعودي) تتراوح رواتبهم بين 5 آلاف وأقل من 10 آلاف ريال شهريا، وينخفض العدد إلى (257 ألف موظف سعودي) للموظفين الذين تتجاوز رواتبهم 10 آلاف ريال.

ولعله من المناسب الإشارة إلى المفارقة مع برنامج حساب المواطن الذي تبدأ حساباته في الدعم لشرائح السكان الأقل دخلا، والتي تبدأ في تصنيفها من ذوي الدخل المنخفض وهو (8000 ريال)، فأين يمكن تصنيف تلك الشريحة من الذين تقل رواتبهم عن (3500 ريال)، والذين يشكلون (52%) من المشمولين بنظام التأمينات الاجتماعية؟! وذلك بعد أن تم تسجيل (9.7 ملايين فرد) في برنامج حساب المواطن حتى 14/2/2017 بناء على ما تم نشره في رابط حساب المواطن.

وبناء على ذلك الواقع لمعدل الأجور المنخفض للمواطن في القطاع الخاص، والذي يُعتبر النطاق الأهم في سوق العمل الحالي والمستقبلي بل والمستهدف في تحمل مسؤوليته الاجتماعية والوطنية في تحقيق رؤية 2030، فإن ذلك يدعو إلى أهمية احتواء القطاع الخاص في إطار رسمي أكثر تنظيما وأدق متابعة وواقعية وملامسة للإشكاليات التي تواجه المواطن والتحديات التي تحد من مشاركته في سوق العمل الوطني، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أوجه الدعم التي يتطلبها ويحتاجها ذلك القطاع بمختلف منشآته، سواء في نظامه المؤسسي ومكوناته من الموارد البشرية والمادية، أو ما يتعلق منها بالدعم المادي والتقني والفني، وما يتصل بذلك من الخروج عن البيروقراطية والتعقيد في الإجراءات والمعاملات الرسمية، من خلال تعزيز صلاحيات فروع الوزارات في مختلف المناطق، وتيسير كافة الإجراءات إلكترونيا، وتمكين جميع المواطنين من الوصول إلى قاعدة بيانات شاملة لسوق العمل الوطني وما يتطلبه من موارد بشرية ومؤهلات مختلفة المستويات والتخصصات، وبما يساهم إلى حد كبير في تصحيح المسار التنموي العام، ويساعد الأفراد والمؤسسات والجهات المختلفة على الإعداد والتنسيق لرؤية متكاملة وجهود تخدم جميع الأطراف، وبما يثمر عن رخاء اجتماعي ونماء اقتصادي شامل وفق رؤية 2030.