قد تكون الأسابيع الحالية والقادمة بالغة الدقة، وربما تتغير كثير من الأمور، وربما يقع ما لم يكن متوقعا سياسيا وعسكريا. وذلك يستدعي منا جميعا حسن المتابعة وإعطاء الأهمية القصوى لأي لقاء أو اجتماع يحدث الآن.
من هنا لا بد من التوقف طويلاً عند توقيت الزيارة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر، في نفس التوقيت الذي يزور فيه الرئيس الإيراني روحاني كلا من عمان والكويت، وعشية اجتماعات آستانة 2 في كازاخستان حول الأزمة السورية بدعوة من روسيا وتركيا وإيران.
وكان قد سبق الرئيسين التركي والإيراني إلى الخليج وزير خارجية روسيا إلى أبو ظبي لحضور المنتدى العربي الروسي بالشراكة مع جامعة الدول العربية.
تأتي هذه الزيارات التركية والإيرانية عشية الزيارة التي يقوم بها مدير المخابرات المركزية الأميركية "CIA" إلى المنطقة، وزيارة كل من المملكة العربية السعودية وتركيا ورام الله، ولقاء محمود عباس بالتزامن مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن ولقائه مع الرئيس الأميركي ترامب في البيت الأبيض، والحديث الملتبس عن السلام في المنطقة، باستثناء الإشارة الواضحة باعتبار السلام الشامل مع العرب هو أساس السلام الفلسطيني الإسرائيلي في إشارة ضمنية إلى المبادرة العربية للسلام. وكان ذلك أيضاً بالتزامن مع لقاء الرئيس ترمب مع رئيس الناتو، والحديث عن تعزيز الناتو والشروط الأميركية للتمويل.
تتزامن هذه الزيارات مع فتح الأتراك جبهة جديدة شمال سورية وتحديداً في منطقة مدينة الباب القريبة من الرقة السورية، مع الحديث عن استحداث مناطق آمنة باتساع خمسة آلاف كلم2، بالإضافة إلى تصاعد العمليات في الجنوب السوري لجهة الأردن، وفي منطقة درعا بالذات بعد هدوء طويل. هذا بالإضافة إلى تطورات ميدانية على جبهة الجولان السوري مع إسرائيل وتزايد الحديث عن حشود إسرائيلية باتجاه الجبهة الشمالية مع سورية ولبنان.
تترافق هذه التطورات مع ملامح تغييرات سياسية في العراق لجهة التحذيرات التي أطلقها الرئيس الأميركي للمسؤولين العراقيين بالابتعاد عن السياسة الإيرانية، وتصدّع العلاقات الداخلية فيما بين أطراف السياسة العراقية، ومحاولة الحشد الشعبي الدخول إلى شرق الموصل بعد خروج داعش منها، وإحداث فتنة مذهبية تعيق عملية استكمال تحرير الموصل من داعش، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة النبرة بين إيران وأميركا من جديد.
يأتي هذا العرض المتواضع للحركة السياسية الإقليمية والدولية باتجاه دول الخليج، وفي وقت واحد، مع اقتراب ساعة الصفر لتطور محسوب باتجاه الميدان السوري لجهة مواجهة داعش في الرقة والقضاء على الإرهاب وأسبابه وتجفيف مصادره. وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون عملية برية كبرى، لا تستطيع روسيا القيام بها وكذلك أميركا وأيضاً إيران، لحساسيتها وعلاقتها بالمكونات الطائفية التي يسيطر عليها تنظيم داعش. وهذا ما سيعكس نفسه على مجمل الأزمات في المنطقة، بدءاً من اليمن ومروراً بسورية والعراق ووصولاً إلى ليبيا. قد يبدو حديثنا هادئا وانسيابيا، وإننا قادرون على متابعة التطورات السياسية المحلية والإقليمية والدولية. ربّما يكون ذلك صحيحاً لجهة ما هو معلن من اجتماعات وزيارات نراها بالعين المجردة ونتابعها عبر وسائل الإعلام. ولكنّنا في مثل هذه الظروف الخطيرة، ومع كل تلك المظاهر الحربية الموازية للحركة السياسية، لا يسعنا إلا أن نتوقّع حرباً كبرى تشارك فيها كل الأطراف، مع عدم القدرة على توقّع زمن حدوثها لأنّ المباغتة فيها هي عنصر القوة الأساس. إلا أن كل التحركات السياسية والعسكرية تقول إنّ ساعة الصفر للحرب العالمية على الإرهاب قد أصبحت على الأبواب.