في البيان الأسبوعي للحوادث المرورية الصادر عن وزارة النقل، برز الرقم المخيف لحصيلة الضحايا خلال أيام معدودة، وتفاوتت من أسبوع لآخر، إلا أنها تظل كبيرة، إذ بلغت في سبعة أيام 81 حالة لتصل من بداية السنة الهجرية الجديدة إلى الخامس من جمادى الأولى 909 حالات وفاة، و5193 حالة إصابة في مناطق المملكة، والفئة العمرية البارزة هم الشباب الذين يقتلون أنفسهم بهوس السرعة والتفحيط، ثم ذويهم الذين يغادرون بهجة الحياة من اللحظات الأولى لسماع الفاجعة.
النهايات قدر محتوم، ولكنها مع الحوادث تظل استعجال النهاية والتحفز لاستقبالها. الشاب يستهتر بحياته، وما إن يستلم مقود السيارة حتى يفجّر مكامن قوته على محرك السرعة، لينطلق مناديا الموت السريع أو البطيء، لأنه حتى وإن تجاوز النهاية السريعة في اللحظة ذاتها، إلا أنه لن يخرج من تلك المغامرة الطائشة إلا بجسد شبه ميت.
عوّل الناس كثيرا على ساهر، لكن مع قلة الوعي وتجاوز النظام لن يجدي ساهر ولا غيره نفعا، ويبدو أن البعض يجد في تحدي النظام والتلاعب بحياته وحياة غيره متعة، بل قد يكسبه ذلك شهرة وجمهورا عريضا يتابع آخر استعراضاته القاتلة.
كثيرة هي التحليلات التي حاولت تفسير هذه الحالة، ومن الفراغ إلى المرض إلى الضياع وإهمال الأهل، غير أن الحقيقة الماثلة تقول إن هوس السرعة والاستهتار لا يقف عند حالة دون أخرى.
شرائح اجتماعية متباينة تتشارك في السلوك، وربما يكون القاسم المشترك هو اللامبالاة أو لفت الانتباه، إضافة إلى ندرة الأنشطة أو وسائل الترفيه التي ربما تجذب الشباب وتستهلك طاقاتهم التي تبحث عن قنوات آمنة ومفيدة تستوعبها، وإلا ستهدر في المكان والزمن الخطأ والخطر في الوقت نفسه.
ودعونا من حلول البعض أن الرياضة والأندية هما الحل الأمثل لامتصاص الطاقات، لأن طاقات الشباب ليست حركية فقط، هناك الفكرية وثورة الشعور في الداخل، وهو ما يشكل صراعا عنيفا لا يفهمه المحيطون به، فيتحول تحت تأثير إما الخيبة أو ضياع الهوية إلى ثورة جسدية تدمر كل شيء. لذلك، فوسائل الترفيه الأخرى مطلوبة، ومنها الحفلات الفنية، العروض المسرحية، الأنشطة البدنية والفكرية، والتي تتطلب تحديا يشحذ الهمم، وهذا النوع من النشاطات يستهوي الشباب كثيرا.
ما يحزن، أن هذه المشكلة رغم قدمها وتكرار طرحها وضخامة الضحايا الذين يسقطون بفعل التسويف في مسألة حلها، ظلت حتى الحظة عالقة بل مهملة.