"نعاهدكم بأنه لن يطأها أحد ونحن أحياء"، كلمة قالها أهالي نجران في حادث سابق، وكرروها مراراً وتكراراً، ومازالوا يبحثون ويسعون لمساندة رجالنا المرابطين على الحد السعودي الجنوبي.

ليس غريباً ولا مستغرباً على نجران وأهلها ذلك، فهم أهل الشجاعة والنخوة، خلال لقائنا بأمير منطقة نجران جلوي بن عبدالعزيز ذكر أن مكتبه في بداية الحرب شهد إقبالاً من أهالي نجران للمشاركة في الحرب دعماً ومساندة، إلا أنه أكد لهم أن رجالنا المرابطين على الحد يقومون بمهامهم على أكمل وجه.

وشدد الأمير على أن إغلاق مطار نجران بسبب ظروف الحرب، وموقع المطار يقع في نطاق (الهاون) مما يمكن العدو من استهداف المدنيين، وهو ما لا يمكن معه المغامرة، إلا أنه أكد أنه سعى ويسعى إلى إيجاد حلول بديلة منها إيجاد رحلات لطائرات الإخلاء الطبي للمرضى وإعادة جدولة رحلات مطاري أبها وشرورة لاستيعاب حاجة أهالي نجران للتواصل مع مناطق المملكة.

وأكد الأمير جلوي أن الحرب مع العدو كانت ضرورية لحماية وضمان أمن الجميع من مواطنين ومقيمين على أرض السعودية، وسعياً لاستعادة يمن العروبة ممن اختطفه من أبنائه عنوة، وقال: أتمنى من الجميع أن يفكر ملياً فيما لو لم تقم القيادة الرشيدة بهذه الخطوة التي كانت ستضعنا فيما لو لم تتم في حالة أسوأ مما هي عليه اليوم من خلال التهديد والاستهداف اليومي.

ما تشعر به في نجران نعايشه في كل مناطق المملكة، فأكاد أجزم أن كل منزل سعودي مشارك في الحرب من خلال ابن أو أب أو أخ أو قريب، وهذا التكاتف الشعبي ليس بمستغرب على أبناء هذا البلد.

يومان كاملان قضيتهما في نجران بين أبطالنا المرابطين على الحدود زرت خلالهما برفقة وفد إعلامي منسوبي وزارة الداخلية (حرس الحدود)، ووزارة الدفاع، ووزارة الحرس الوطني، كنت أدرك أن أبناءنا رجال أقوياء وأشداء، لكنني وللحق رأيت أسوداً تذود عن حمى هذا الوطن.

ولا يشعر أي زائر لنجران بأننا في منطقة مسرح عمليات عسكرية وقرب عدو غادر لا يبعد عنا سوى كيلومترات عدة، فالأهالي يتجولون في الأسواق والحدائق ويمارسون أعمالهم وتجارتهم بشكل يومي دون أي اهتمام بالحرب، كل هذا يأتي من ثقة الأهالي بقدرة رجالنا المرابطين على حمايتهم وتأكيداً على أن هذه الحرب لن تثنينا عن هدفنا الأسمى وهو حماية بلادنا.

لم أشاهد، وهذا يسألني الله تعالى عنه، أي تذمر أو خوف على أحدهم على الرغم من أن حياتهم مهددة كل لحظة، بل إن الابتسامة لا تفارق محياهم، وكل منهم يسابق الآخر للخط الأمامي.

كنت وزملائي الإعلاميين نسعى في زيارتنا للوقوف إلى جانب إخواننا المرابطين كدعم بسيط نقدمه لهم على ما يبذلونه، لكن ما حدث أنهم هم من دعمونا بروحهم المعنوية العالية التي شاهدناها في كل فرد منهم.

فمن على قمة أقصى نقطة على حدنا الجنوبي وآخر متر في تراب وطننا الغالي شاهدنا رجالاً صدقوا ماعاهدوا الله عليه، يحملون أرواحهم على أكفهم، ويواجهون صعوبات التضاريس والأجواء والعدو وينتصرون عليه، دوريات راجلة بين الجبال يقضون أياماً كاملة وحدهم متنقلين من قمة لأخرى، وآخرون على النقاط الحدودية في أجواء غاية في الصعوبة لكنك تذهل مما تشاهد من عطائهم.

تسلل وتهريب وأعداء متربصون يدركون أن أمامهم سداً لن يتجاوزوه إلا بمقتله وهو يدرك هذا، لكنه لا يبالي، بل إنهم يتسابقون لنيل الشهادة في سبيل حماية الوطن.

لا نريد منكم سوى الدعاء، هذا ما يطلبه المرابطون على الحدود، فلله الحمد لم ينقصهم شيء، لا دعم معنوي ولا تجهيز عسكري بخلت به القيادة الرشيدة.

الأفراد والضباط بصوت واحد سنستمر في حربنا ولو امتدت لسنوات عدة في سبيل حماية وطننا والذود عن مقدساته.

قصص بطولات لا يتسع المكان لذكرها لكنها ليست مستغربة على أبنائنا، فهم من حمى وسيحمي هذه البلاد، فلا يتصور أحدنا أن يبقى في قمة جبل شاهق وفي ظلمة الليل وأمام عدو غادر ينتظر أن يقتله ويكون بمعنويات عالية، إلا أن ذلك يكمن في تفاصيل الجندي السعودي الواثق بالله ومن ثم بقرارات القيادة.

خلال الزيارة وفي حديث جانبي مع أحد الضباط المرابطين على الحدود أسر لي أن أحد الأفراد المرابطين على الحد أصيب أثناء صعوده أحد الجبال، ومنحه الطبيب إجازة لمدة أسبوعين للراحة، لكنه أخذ الإجازة المرضية وركنها في سيارته وعاد لعمله دون أن يخبر أحداً إلا بعد أن استعار زميل له سيارته وشاهد التقرير الطبي وأبلغ زملاءه بتضحيته غير المستغربة، هذا جزء مما يحدث على أرض الواقع.

في وزارة الدفاع وخلال لقائنا بأحد كبار الضباط الميدانيين ممن لهم باع في العمل العسكري أكد أن ما يقدمه الجندي السعودي من أعمال بطولية تستحق الثناء، وأضاف أن رجالنا تفوقوا على العدو ببسالتهم وإقدامهم، وهو أمر لم يتوقعه الأعداء.

الضابط أكد لنا حرص القيادة العسكرية على عدم استهداف المدنيين في المناطق التي تتواجد فيها أهداف عسكرية رغم أهميتها، مؤكداً أن هذا التأكيد يدل على نبل المهمة الوطنية التي يقوم بها رجالنا المرابطون.

وأشار إلى أن الحوثيين ومرتزقة من جنسيات عدة يشاركونهم في جبهات القتال بعد أن غسلت أدمغتهم، وأضاف أنهم يتعاملون معهم من جانب إنساني بعد القبض عليهم، وحكى القائد العسكري إحدى القصص بعد إحدى المواجهات العسكرية، يقول: تم إلقاء القبض على عدد منهم وأثناء التحقيق مع أحدهم سألهم: هل تشاهدونني؟ فأجابه القائد العسكري السعودي نعم، فأسقط في يده وبدأ في البحث عن طلاسم كانت بحوزته ليتأكد من ذلك، وبعد نقاش طويل أشار إلى أنهم أبلغوه: "العسكري السعودي الذي تقاتله لن يشاهدك لأنك تحمل (حرزاً) يخفيك.. هذا بالضبط أحد أساليب العدو في تجنيد الجهلة والمرتزقة.

 لم نغفل عن زيارة أفراد قوات الدفاع الجوي المرابطين على الحد والمتأهبين على مدار الساعة الذين أكدوا أنهم أسقطوا خمسة صواريخ باليستية كانت تستهدف مدينة نجران، بعض من هذه الصواريخ تم إسقاطها داخل الحدود اليمنية، أي فخر وأنا أسمع هذه الكلمات من إخواني والله إن الأرض لم تكن تسعني أثناء حديث قائد الكتبية عن ذلك.