اعترض بعض فقهاء المسلمين على المطالبة بحظر الطلاق الشفوي، وذلك بسبب ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع، والتي لها تأثيرات سلبية على الأسرة والأجيال القادمة، حيث أكد الفقهاء على "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية، وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم.. دون اشتراط إشهاد أو توثيق".

والمقصود بمنع الطلاق الشفهي هو ألا يقع الطلاق بمجرد قول الرجل لزوجته "أنت طالق" حتى ولو كررها أكثر من مرة، إذ يتطلب الأمر توثيق الطلاق قضائيا عند المحكمة، إلا أن غالبية رجال الدين في المجتمعات الإسلامية يعترضون على هذا المنع ويرون أن للطلاق شروطا وأحكاما، من أهمها: "مُطَلِّقٌ، وَصِيغَةٌ، وَمَحَلٌّ، وَوِلاَيَةٌ، وَقَصْدٌ. والأصل في هذه الصّيغة التي تعبّر عن الطلاق الكلام، أو قد ينوب عنه الإشارة أو الكتابة، ولا ينعقد الطلاق بغير ذلك".

وعلى هذا الأساس، فإن الطلاق عند الفقهاء يقع بمجرد تفوه الرجل بكلمة الطلاق، ثم يأتي الزوج إلى المحكمة ومعه شاهدان اثنان، وعلى الفور يتم استخراج صك الطلاق ومن دون سبب، وعليه فإن إجراءات الطلاق سريعة وسهلة جدا بالنسبة للرجل، بعكس المرأة عندما تطلب الخلع! فالطلاق لا يتم إلا في أضيق الحدود، ولا يكون إلا في المحاكم القضائية، فالطلاق حق مطلق للرجل دون المرأة عند الفقهاء!

في الماضي كان الرجل هو "السيد المطلق، والمرأة هي العبد المطيع لسيده دون أن يكون لها الحق في الاعتراض على ظلم لحقها منه، ولذلك كان الطلاق من حق الرجل وحده"، وبالتالي فإن تسهيل الطلاق وتعدد الزوجات قد يكون مبررا للتمتع الجنسي بالتنقل بين النساء!

في القرآن الكريم هناك إجراءات متعددة للطلاق وترتيب معين وليست بهذه السهولة التي يراها بعض الفقهاء، ومن هذه الإجراءات: الإصلاح بين الزوجين للتقريب بينهما ومحاولة حل مشاكلهما، والتربص، وحماية الزوجين من الضرر.. الخ، يقول الله، عزّ وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) سورة النساء الآية 35، ثم يأتي الطلاق كحل أخير للمشاكل بعد تطبيق هذه الإجراءات، كما جاء في قوله تعالى (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) سورة الطلاق الآية 2، لذا هناك حاجة إلى وجود قوانين رادعة وضابطة لعملية الطلاق وتقييده إلى أبعد الحدود في ضوء تعاليم القرآن الكريم.

يحتج الفقهاء في الاعتراض على منع الطلاق الشفوي بالقول بأن التفوه بكلمة الطلاق هو ما استقر عليه المسلمون في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأقول: في الماضي، وفي عصر النبي صلى الله عليه وسلم، كان الزواج يتم بقبول وإيجاب الزوجين، وشهادة الشهود دون الحاجة إلى توثيق ذلك الزواج عند القاضي، أي أن الزواج يتم توثيقه بالشهادة وليس كتابيا.. وفي عصرنا الحاضر يتم توثيق عقد النكاح في المحاكم، والسؤال المطروح هنا: هل يصح الزواج شرعا بدون توثيق في المحكمة؟

إذا كانت الإجابة عن السؤال السابق بنعم، فهل يعني ذلك صحة الزواج العرفي على سبيل المثال، والذي يتم في بعض الدول العربية والإسلامية؟ أما إذا كانت الإجابة بلا.. فهذا يعني وجوب التوثيق في المحكمة، فلماذا إذاً لا تكون نفس المعاملة بالنسبة للطلاق؟

قد يقول قائل بأن الفقهاء يرون أن النكاح إذا تم من غير إشهار، ولا تسجيل في الدوائر الرسمية، فإنه يعتبر نكاحا صحيحا إذا توفرت له أركانه وشروط صحته، من الإيجاب والقبول، والولي، والشاهدين، والصداق، وإن كان الأفضل أن يوثق في الجهات الرسمية لحفظ الحقوق، وكذلك بالنسبة للطلاق فإنه يجب "على المطلق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فور وقوعه، حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها"، كما أن "ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعييه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علما بأن كافة إحصاءات الطلاق المعلن عنها هي حالات مثبتة وموثقة سلفا إما لدى المأذون أو أمام القاضي".

وبناء على ما سبق، يجمع الفقهاء على أهمية التوثيق في المحكمة، سواء كان ذلك للزواج أو الطلاق حفظا للحقوق، وفي نفس الوقت يرون صحتهما بدون توثيق، وهذا يعني ضياع حقوق الزوجة وأبنائها، وهذا ما يحدث فعلا على أرض الواقع في ظل صمت الفقهاء وتمسكهم بالموروث الفقهي القديم.

إن الآراء الفقهية السابقة حول الزواج والطلاق، هي في رأيي تمثل أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء مشكلة عدم اعتراف الآباء بأبنائهم، وعدم النفقة على الزوجة وأبنائها، وانتشار ظاهرة تعليق الزوجة وهجرها، ناهيك عن مشاكل الإرث وضياع الحقوق المالية، كما أن هذه الآراء تعتبر في الحقيقة من أخطر الثغرات الموجودة في قوانين الأحوال الشخصية في بعض الدول العربية والإسلامية، فلماذا لا يتم تقنين أحكام القرآن الكريم في الزواج والطلاق؟ فعلى سبيل المثال لا يتم الطلاق إلا بعد تطبيق إجراءات معينة وتطبيق المراحل التي تم ذكرها في القرآن الكريم مثل الصلح وفترة التريث وإتمام الحقوق المالية بين الزوجين، وذلك من خلال المحاكم والقضاء فقط، وذلك حفظا لحقوق الجميع.. فما هو الأهم عند الفقهاء.. الحقوق أم شكلية وصورية الأركان والشروط؟