لا تحصل المرأة في مجتمعنا على الطلاق، أو تكسب قضية خلع، إلا بعد جدل كبير ومعاناة لا تنتهي، بل تبدأ بعدها حرب الاستنزاف الكبرى، التي تدُخلها لنفق الحضانة المظلم. وإن حالفها الحظ، وكسبت القضية، يتحول طليقُها لكائن مفترس، يقوم بممارسات صبيانية، مكرساً وقته وطاقته للانتقام منها، بعد أن تسللت من بين ممتلكاته، وأصبحت خارج مجال سيطرته. فينغلق على نفسه ويفكر كيف يقهرها، ويدمرها، بزرع بذرة الانتقام في رأسه، وسقيها بسواد قلبه يومياً بطرق دنيئة، مستخدماً أطفاله بنذالة مطلقة لسحق قلبها، دون أدنى اعتبار لمشاعرهم.. فمن قليل العقل هنا؟!
وتشهد محاكم الأحوال الشخصية في مختلف مناطق المملكة مئات القضايا المتعلقة بالطلاق وما بعده، من نفقة وحضانة وزيارة، وصل عددها لأكثر من 640 قضية يومياً، حسب آخر إحصائية أعلنتها وزارة العدل مؤخرا. ولا أستغرب ذلك، فبعد أن أنصفت بعض القوانين العدلية الأمهات في مسألة الحضانة، أدخلتها آلية التنفيذ التقليدية لذلك النفق الوعر، ليهدر ما تبقى من سنوات حياتها. فكلما لمع خيط من ضوء وسط تلك الظلمة الحالكة، يخفت بريقه سريعاً، فتتعثر وتسقط، لتعود وتتلمس نفس الطريق الوعر من جديد، من أجل انتزاع حقها بالعيش على هذا الكوكب بسلام.
فأحكام الحضانة والزيارة، بعد أن تصدر وتوثق في صك، لا تهتم كثيراً بالتفاصيل التي تتم فيها الزيارة مثلاً، وكيف أنه من الضروري أن ينتقل الطفل من منزل الحاضن، لمنزل من يحق له الزيارة، بطريقة تضمن كرامة الطفل البريء، دون أن يشعر بالعناء أو بالذنب. وليس كما يحدث للطفلة (أمل)، التي كسب والدها قضية الحضانة بطريقة ملتوية، وتحول مع ذلك لكائن غير إنساني ناقص عقل، فقرر تنفيذ حكم الزيارة بطريقة قبيحة، بإيصال الفتاة ووضعها أمام بوابة مجمع في مدينة الخبر، لتأتي والدتها وتأخذها من هناك، إن كانت تريد أن تراها، فبدلاً من إيصال فلذة كبده لمنزل والدتها، معززة مكرمة، يُنزلها أمام بوابة مجمع تجاري، دون أن يطرأ على تفكيره الأحمق مشاعر الصغيرة التي كبُرت وهي تنتظر والدتها أمام بوابات المجمع!
ومرحلة الحرب الباردة تلك لا يقوم بها الزوج أو الطرف المؤذي بمفرده فقط، بل يقحم معه أفرادا جهلة يبجلون الموروث الاجتماعي الخاطئ، ويساعدونه على تنفيذ إجرامه، فحين توجهت (أم أحمد)، إحدى المطلقات الحاضنات لأخذ ابنتها من المدرسة لموعد طبيب، رفضت المشرفة في مدرسة معروفة جدا في المنطقة الشرقية أن تسلمها الفتاة قبل أن تستأذن من طليقها الذي حذر المدرسة من الأم، وتجنى عليها بحزمة من الأكاذيب ليتمكن من تنكيد عيشها في كل خطوة تخطوها. ولتتواطأ بذلك المدرسة مع الزوج تلقائياً، لأن توجيهاته المقدسة كانت فوق حكم المحكمة، وهذا يبين تفاوت حجم الوعى والاحترام بين المسؤولين في المدارس لقضايا وأحكام الأحوال الشخصية، فبدلا من اتباع القانون مارست المشرفة التسلط بجهل، مبررة بالحرف الواحد دون تردد (الأب حذرنا منك).
وفي موقف آخر، رفض أحد مكاتب الأحوال الرئيسية في الخبر استخراج بطاقة أحوال، لابنة إحدى الأمهات المطلقات، والتي لديها حكم حضانة مسبق لأبنائها، وحصلت حديثا على بطاقة عائلة تضمهم، فحين قدمت البطاقة العائلية، أصروا على طلب إثبات الأب، ليؤكدوا بأن أي هوية تمتلكها الأم ليس لها قيمة في نفس المكاتب التي أصدرتها.
تفاصيل أحكام ما بعد الطلاق تأتي مثل امتحان القياس، تختبر جودة وصلابة القوانين وتأثيرها على أرض الواقع، فإذا كان الحكم متقنا في تغطيته لجميع الجوانب والثغرات تنتهي المشاكل وتستمر الحياة، وإن كان غير ذلك سنواجه بتلك الكائنات التي تكابر بالاستمرار على الخطأ وتتحدى القانون.
لذلك أتمنى من القانونيين وأصحاب الشأن، الذين يقدمون مبادرات لتطوير مسودة أحكام الأحوال الشخصية، أن يعملوا على بناء آلية تفصيلية لتنفيذ تلك الأحكام، آخذين بعين الاعتبار الطرق الملتوية التي تسلكها تلك الكائنات، وآليه توقف من تعنت الطرفين والذكور خاصة، ضد من يؤخر حقوق صغاره، ويستخدمهم نكاية في الأم، فهذا النوع يستحق أن يتعلم بالقانون أيضا كيف ينبغي أن يكون الرجل في هذا البلد.
بالإضافة لتخصيص قناة أو وسيلة أخرى تتصدى للاجتهادات الفردية والتمييز الذي يمارس في بعض الجهات الحكومية، والأجهزة الخدمية ضد المرأة بصفة عامة والمطلقة بصفة خاصة. لأن الجهل والظلم لا يقبلان التبرير، وحرب الاستنزاف والتواطؤ الاجتماعي هذه ضد المرأة لا بد أن تنتهي.