يبدو أن عبارة "إدارة الفنون في زمن عاصف"، هي الأقرب إلى ما تواجهه الهيئة العامة للترفيه لدينا في هذه المرحلة، وهو عنوان لكتاب جاد يتناول إدارة الفنون في ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية عاصفة، وفي ظل الأزمات الصعبة لـ"ميلينا دراجيشيفيتش" مؤلفة الكتاب.
وباعتبار الترفيه هنا ضرورة وليس مجرد ترفا، لما يحققه الترفيه من دور في تحقيق التوازن الانفعالي للإنسان المواطن في كل الظروف والحالات، يمكن أن نذهب بعيدا لفهم متطلب الترفيه في حياة الشعوب، وهو أمر ليس مجرد مطلب على هامش الحياة ويوميات المواطن، بل هو حاجة بشرية قديمة وعرف في أكثر العصور التي مرت بصراعات سياسية أو اجتماعية ودينية، بل وكان جزءا من تحولاتها ونمط حياتها، ففي العهد العثماني دار جدل فقهي كبير حول مفهوم الترفيه، وهل هو احتياج للإنسان أم انحراف، بل وكان هناك موقف ديني من الفنون، خاصة الموسيقى وما يتبعها من احتفاء بها وانتشار، وهو الأمر القريب مما يحدث بشكل ما في المجتمع اليوم، ومن الجميل أن تجد هذا الأمر موثقا في كتاب "ثقافة الترفيه والمدنية العربية في الأزمنة الحديثة" للمؤلف مهند مبيضين، متناولا تلك الصراعات بين حاجة الإنسان إلى الترفيه وبين الدين والسلطة، وما ارتبط بمتطلبات المجتمعات في ذلك العصر، وحاجتها إلى الترفيه الذي لم يكن حكرا كمطلب على الأغنياء، بل كان مطلبا عند العامة والفقراء على حد سواء.
الترفيه ليس عبثا، بل هو ثقافة وأسلوب حياة، وطريقة سلوك، تتبعه الشعوب وتمارسه، سواء كان بسيطا أو متقدما، وهو ما يتمثل في الفنون والموسيقى والمسرح، وما يصاحبها من فعاليات وتهذيب للنفس على تذوق الجمال والفن، وبات الترفيه اليوم مطلبا أساسيا مع تسارع المتغيرات الاقتصادية والتعليمية، وتقدم وسائل الاتصال بكل أشكالها الحالية، ومن هنا على صناعة الترفيه أن تجد الاهتمام الكافي الذي تتطلبه صناعة الترفيه.
وروزنامة الترفيه التي طرحت مؤخرا، هي خطوة في طريق صناعة الترفيه، كما أن الإقبال الكبير على الأنشطة الفنية التي أقيمت مؤخرا، يعدّ مؤشرا صحيا وواقعيا لما تعنية صناعة الترفيه من أهمية لدى المجتمع، وعلينا أن ننظر إليها بأمل كبير من حيث انعكاساتها على المجتمع وعلى قطاع الترفيه في الأيام القادمة.
إنتاج الترفيه ودعمه وإدارته، هو تحد صعب وخيار مهم، سينعكس إيجابيا على الهوية الوطنية ويعزز قيما فنية وجمالية في زمن التحولات الاجتماعية والفكرية والثقافية التي نمر بها وعبرها، لنقل الحاضر إلى المستقبل، وجعله أكثر اتساعا وانفتاحا وتوافقا مع الحياة العصرية التي لا تتوقف عن النمو إلى الأعلى والتغير الإيجابي للأفضل والأجمل.